السبت، 17 يناير 2015

الجامعة وثقافة التغيير - دراسة تحليلية نقدية لواقع ثقافة التغيير في الجامعات اليمنية


  

 

الجامعة وثقافة التغيير
 
دراسة تحليلية نقدية لواقع ثقافة التغيير في الجامعات اليمنية

 

 

دراسة مقدمة إلى:

المؤتمر الدولي السابع عشر لجامعة فيلادلفيا

ثقــــافة التــــغيير:

(الأبعاد الفكرية - العوامل – التمثلات)

6-8 تشرين الثاني/ نوفمبر 2012

عمان - الاردن

 

اعداد

أ د/ أحمد غالب الهبوب

كلية التربية - جامعة اب

الجمهورية اليمنية
Mobile: 00967.777788187

 

 

 

 

 

 (ملخص الدراسة)

            أضحت قضايا التغيير ساخنة اليوم في البلدان العربية. غير ان استجابة المؤسسات التربوية  وخاصة الجامعات لدواعي التغيير لازالت متواضعة ولا ترقى الى مستوى معطيات اللحظة التاريخية الفارقة، و تؤكد بعض الدراسات ان من أهم مظاهر التخلف عن مواكبة التغيير في الوطن العربي، انما يتمثل بتخلف المؤسسات التربوية وفي مقدمتها الجامعة، ويشيع اعتقاد مفاده ان الامر يزداد سوءا في الجامعات اليمنية. وللتأكد من مدى صحة هذا الاعتقاد، أعد الباحث بالدراسة الحالية  التي تستهدف التعرف على واقع ثقافة التغيير في الجامعات اليمنية، وذلك من خلال الاجابة على الاسئلة الآتية:

1-ما المقصود بثقافة التغيير، وما دور الجامعة في تعزيز ثقافة التغيير ؟

2-ما واقع ثقافة التغيير في البنية التشريعية والبنية الهيكلية  والمناهج التعليمية في الجامعات اليمنية؟

3-كيف يمكن تفعيل دور الجامعات اليمنية في نشر  ثقافة التغيير؟

            وقد خلصت الدراسة الى جملة من الاستنتاجات أهمها: ان الجامعات اليمنية تواجه العديد من التحديات التي تجعلها عاجزة عن مواكبة متطلبات التغيير، ولعل ابرز هذه التحديات تتمثل في جمود المرجعيات الفكرية وغياب ارادة التغيير والافتقار الى القيادة التحويلية وهيمنة المناهج والاساليب التدريسية التقليدية. وفي ضوء ذلك، قدم الباحث مجموعة من التوصيات والمقترحات التي يمكن ان تسهم في تفعيل دور الجامعة في نشر ثقافة التغيير.

University & Culture Change:

A critical & analytical study of the reality of culture change in

 Yemeni universities

Abstract):

The study aims to identify the reality of culture change in Yemeni universities, by answering the following questions:

-What is the culture  change, and  the role  of university in reinforce culture change?

-What is the reality of culture change in  Yemeni universities?

-How to activate the role of Yemeni universities in reinforce culture change?

The study concluded that Yemeni universities have  encountered with  many challenges that hinder the process of change such as:

The dominance of traditional approaches,

Absence of the will and the leadership of change,

Dominance of traditional curricula and teaching methods.

In light of these findings, the study provided a number of recommendations and suggestions that can contribute in perpetuating a culture of change.

 

أولا: الاطار المنهجي للدراسة

المقدمة:

          تشهد المجتمعات العالمية المعاصرة تحديات ثقافية كثيرة وكبيرة، تتمثل في العديد من التغيرات المتسارعة في الفكر العالمي وظهور العديد من الحركات والاتجاهات الفكرية الجديدة التي تكاد تختزلها ظاهرة العولمة. كما تشهد البلدان العربية حركة تغيير غير مسبوقة ولاسيما في المجال السياسي. ولقد فرضت هذه التغيرات المتسارعة على المؤسسات المجتمعية ضرورة مواكبة هذه التحولات. ولكن يبقى دور الجامعة هو الدور الرائد في هذه العملية بحكم طبيعة رسالتها في المجتمع وهي رسالة مزدوجة تهتم بالتعليم الاكاديمي  المتخصص من جهة وبالثقافة الانسانية الرفيعة من ناحية اخرى او هذه هو الهدف المثلي الذي يجب ان تعمل الجامعة    على تحقيقه، ) 1: 89). فقد فرض هذا التطور السريع معياراً جديداً للحكم على تقدم الشعوب و الأفراد. إذ لم يعد البقاء للأقوى كما كان بالأمس، و إنما صار البقاء للأكثر ذكاءً، للأقدر على انتاج المعرفة و استثمارها، للأقدر على مواجهة التغيير وصناعته وادارته. لقد أصبحت الشعوب تتنافس في القدرة على تهيئة المناخ لتقبل التغيير و مواكبة التطور و توجيه حركة الحياة ذات الإيقاع السريع  (18: 9). و بمعنى أكثر وضوحاً، إنه في ظل ثقافة التغيير المتمثلة بالتحولات العالمية المعاصرة و التغيرات المحتملة في عالم الغد وما يترتب عليها من تغيرات مجتمعية             و تكنولوجية و ثقافية، تكون السمة الرئيسية للتعليم الجامعي هي سرعة التغيير مما يفرض على المعنيين برسم سياسة التعليم الجامعي و تحديد  هياكله التنظيمية ومناهجه التعليمية، وضع ذلك في الاعتبار( P.333) :26(. ففي سياق عالم متغير تتطور فيه المعرفة وتتجدد بسرعة، لا تقتصر وظيفة الجامعة على مجرد نقل المعرفة، بل ينبغي ان تتجاوز ذلك الى غرس الروح النقدية و تعلم طرق التفكير وتنمية مهارات الابداع والابتكار. فتعليم الغد مطالب بتأكيد عدد من المهارات الرئيسية مثل القدرة على التكيف و المرونة و القدرة على التعامل مع التغير السريع،     و القدرة على نقل الأفكار من مجال إلى آخر، و القدرة على استشراف التغيير و الاستعداد له و التهيؤ للتأثير فيه.  لذلك فإن ما نشهده في عصرنا من مظاهر التقدم بإيجابياته وسلبياته، هو النتيجة المباشرة لظاهرة التغيير السريع    و الجذري الذي لم يعرف التاريخ له مثيلاً، مما يتطلب اساليب جديدة في قراءة المتغيرات، ومنهجية مغايرة في اختيار السبل الكفيلة للتكيف مع هذه المتغيرات،( 29: P.1)،  ( 21: 163).

          وتأسيسا على لذلك تعيش مختلف المؤسسات  المجتمعية اليوم في ظل تغير سريع الوتيرة يتخطى حدود هذه المؤسسات، إلى المجتمع ذاته: قيمه وأخلاقه، عاداته وتقاليده. وحتمية التغيير في هذا العصر تقتضي، بالمقابل، توافر إرادة التغيير التي تستدعي بالضرورة ادارة التغيير ضمن سياق ثقافي  يحدد اختيارات هذه العملية ويوجه مساراتها نحو تطوير المجتمع،    (90 :1 ).  فحينما نتحدث عن ثقافة التغيير، فإننا نتحدث عن الوعي بهذا التغيير وعن مدى استيعابنا لمتغيرات الحياة المحيطة من حولنا،  وعن نوعية البنى الفكرية والتربوية التي تستلهم الماضي و تعي الحاضر لاستشراف المستقبل. لذلك تعد ثقافة التغيير ابرز الموجهات الفكرية والتربوية الناظمة لحركة المؤسسات التربوية ضمن ايقاعات العصر. ومن هنا تصبح ثقافة التغيير أهم  القضايا التربوية التي يعول على مجمل المؤسسات التربوية العمل في اطارها. والجامعة باعتبارها عقل المجتمع ورائدة التغيير فيه، لابد لها من أن تكون المؤسسة الرائدة في تكريس  ثقافة التغيير ، في الوسط الجامعي اولا، ثم في محيطها المجتمعي، ثانيا، و ذلك بحكم ما يتوافر لها من  اطر فكرية تجسد ثقافة التغيير فيها وقيادات تحويلية تمتلك ارادة التغيير وقادرة على ادارته وتوجيهه نحو تطوير الجامعة نفسها بما يمكنها من تطوير مجتمعها. وبالتالي فإن بقاء الجامعات في العصر الراهن  وتعزيز مكانتها القيادية في تغيير المجتمع، وخاصة في البلدان النامية، مرهون بمدى قدرتها على مواجهة هذه التحديات من خلال المبادرة إلى إحداث التغيير والتطوير الفاعل في اطرها الفكرية وقياداتها الادارية وبرامجها وأساليبها التدريسية ومشاريعها البحثية ومراكزها الخدمية.

          ولذلك ازداد الاهتمام في السنوات الاخيرة بوضع الجامعات ودورها الثقافي في المجتمع المعاصر، وبمستقبل التعليم الجامعي  وتحدياته، وبالسياسات والاساليب والوسائل التي يمكن ان تستعين بها الجامعات لمواجهة هذه التغيرات والتحديات، فقد شهد التعليم الجامعي نماذج تربوية جديدة وعديدة، مثل التعليم عن بعد والجامعة المفتوحة، والجامعة الافتراضية ( Virtual University).. ومع ان هذه المسائل كانت تشغل بال المعنيين بالسياسة التعليمية  عامة وسياسة التعليم الجامعي خاصة، في كل انحاء العالم، غير ان تسارع التغيرات وضخامة التحديات المعاصرة قد فرضت مزيدا من الاهتمام بالتعليم الجامعي . فالتحديات التي تواجه التعليم الجامعي وخاصة في البلدان العربية، كثيرة وكبيرة سواء في المجال التعليمي  ذاته كما تتجلى في جمود الاطر المرجعية وتردي الادارة الجامعية  وتخلف المناهج الدراسية وضعف الكفاية الداخلية والخارجية للتعليم الجامعي ...الخ ، ولكن يعتقد ان اكبر  هذه التحديات واشدها صعوبة واكثرها تعقدا  انما تتمثل في  التحديات الثقافية التي تواجه التعليم الجامعي (1: 90).

مشكلة الدراسة:

          يتميز العصر الذي نعيشه بسرعة التغيير، مما يجعل من عملية التغيير أمراً حتمياً في المنظمات التربوية ، حتى تصبح تلك المنظمات قادرة على القيام بدورها التنويري في المجتمع ، وتكون مستعدة لقيادة التغيير، بل ومهيأة لتقوم بالدور الريادي المناط نحو إحداث التغيرات التربوية التي تواكب التغيرات الحادثة والمتسارعة من حولها. وبالنظر إلى وجود الضغوط التي تقع على عاتق المؤسسات التربوية، وفي طليعتها الجامعة، باعتبارها المسئولة عن توجيه عملية التغيير، والركيزة الأساسية التي يعول عليها للقيام بتلك المهمة ، فإن ذلك الأمر هو ما يصعب على الجامعات العربية القيام بهذه المهمة المصيرية (23: 24).  فمؤسسات التعليم العالي في عالمنا العربي تحتاج اليوم، أكثر من أي وقت مضى، إلى عملية تغيير جذرية تضمن لها الاضطلاع بدورها في التنمية المجتمعية الشاملة، مما يؤكد أهمية تبني هذه المؤسسات لاستراتيجيات التغيير المخطط الذي يضمن لها تحقيق  الدور الريادي في المجتمع، (8:  ٦٣)، ( 12: 94).

          وقضايا التغيير ساخنة اليوم في  اليمن كغيرها من الدول العربية، غير ان استجابة المؤسسات التربوية فيها، وخاصة الجامعات، لدواعي التغيير، لازالت متواضعة ولا ترقى الى مستوى معطيات هذه الاحداث التاريخية غير المسبوقة، بل ان البعض يؤكد ان من أهم مظاهر التخلف عن مواكبة التغيير في الوطن العربي، انما يتمثل بتخلف المؤسسات التربوية وفي مقدمتها الجامعة، ويشيع اعتقاد مفاده ان الأمر يزداد سوءا في الجامعات اليمنية. فمؤسسات التعليم العالي والجامعي في اليمن، وعلى الرغم من كونها أكثر معاناة من مشكلات هذا العصر وتحدياته، نجدها أقل استجابة وتأثرا بقضايا التغيير ودواعي التطوير. فالتعليم العالي ما يزال يواجه مجموعة من المشكلات والتحديات, التي تأتي في مقدمتها غياب إرادة التغيير. و هناك بعض المؤشرات لقصور دور الجامعة في تحقيق وظيفتها الثقافية وريادتها التنويرية، منها:

-         تنامي النقد لدور الجامعة في إعداد الطلبة للاندماج الواعي في مطالب حضارة العصر، وأن هناك قصورا في أدائها لدورها القيادي في عملية  التثقيف التغيير والتنوير.

-         تراجع مستوى التعليم الجامعي و تدني قدرته على مواجهة متطلبات التنمية المجتمعية الشاملة، والباحث هنا ينطلق من اعتقاد مفاده ان هذه الاخفاقات قد تعود في الاساس الى:

-         هيمنة التوجهات التقليدية الجامدة على البنية التشريعية الموجهة للتعليم الجامعي.

-         غياب القيادة التحويلية القادرة على احداث التغيير وتوجيهه

-         هيمنة المناهج التعليمية والاساليب التدريسية التقليدية في الجامعات اليمنية.

 وعليه، يمكن تحديد مشكلة البحث في محاولة الإجابة عن التساؤل التالي :-

    " ما واقع ثقافة التغيير في الجامعات اليمنية ؟ "
 
 

أهداف الدراسة : يهدف البحث الحالي إلى  الى الاجابة على التساؤلات الاتية:

1-      ما المقصود بثقافة التغيير، وما دور الجامعة في تعزيز ثقافة التغيير ؟

2-      ما واقع الدور الوظيفي للجامعات اليمنية في تنمية ثقافة التغيير ؟

3-      كيف يمكن تفعيل دور الجامعات اليمنية في ترسيخ  ثقافة التغيير؟

تعريف ثقافة التغيير Culture Change ::

عرفها (ندا والشحنة) بأنها " قابليات المجتمع لاستكمال الرؤية حول الكيفية التي تتفاعل بها عناصر المنظومة الثقافية في المجتمع مع مستجدات التطور العالمي، (19: 8).

- ويعرف (حجاج ) ثقافة التغيير بانها تعبر عن مدى وعي الأفراد و فهمهم للتغيير و امتلاكهم للمهارات اللازمة لإحداثه، أي أنها تتطلب الوعي مع الإرادة ( 19: 8).

والباحث يعرف ثقافة التغيير بانها ما تقدمه الجامعة من معارف واتجاهات ومهارات تمكن الطلبة والعاملين في الجامعة من استيعاب متغيرات العصر ومواجهة تحدياته.

منهج الدراسة: لتحقيق اهداف الدراسة استخدم  الباحث المنهج الوصفي بأسلوبه التحليلي النقدي وذلك عبر مسارين متكاملين: يعنى الاول بالتأصيل الفكري لثقافة التغيير والدور الريادي للجامعة في هذه العملية المصيرية على مستوى التحليل النظري، اما المسار الثاني فيعنى باستقصاء تحليلي نقدي  لأبعاد ثقافة التغيير في الجامعات اليمنية سواء في الاطر التشريعية او البنية التنظيمية او المناهج والانشطة التدريسية.

 

 

ثانيا: الخلفية النظرية

 الثقافة والتغيير: ان مفهوم الثقافة في هذا البحث سوف يتجاوز التعريف الضيق الذي يقصرها على الجوانب الإبداعية من آداب و فنون، و يأخذ بالمفهوم الواسع المعتمد في العلوم الاجتماعية لكلمة " الثقافة " و الذي يشمل أسلوب الحياة بجوانبها المادية و غير المادية، بما في ذلك من أنساق قيمية و معيارية و سلوكية، و ما يرتبط بها من مسائل الهوية الحضارية و الشخصية القومية، وعليه نأخذ بتعريف (كليباتريك) للثقافة بانها" كل مصنعته يد الانسان وعقله من مظاهر البيئة المجتمعية، (2: 50) ( 2:2).

        و الثقافة شيء مهم للفرد و المجتمع ، فالإنسان المثقف يصبح أكثر فعالية في مجتمعه من غير المثقف ، كذلك فالثقافة وسيلة هامة لتغيير المجتمع نحو الأفضل ، و هي خط دفاع و حائط صد متين ضد النيل من الهوية القومية و الذاتية الحضارية. وترتبط الثقافة بالتربية ارتباطا قويا، فالنظام التربوي اما ان يعمل على إدامة واستمرارية الثقافة السائدة واما ان يكون اداة لتغييرها وتحديثه، (117:7).

          والتغيير هو عملية تحول تشمل سلوك الأفراد، وهياكل التنظيم، ونظم الأداء وتقويمها،  والتكنولوجيا، وذلك. بغرض التفاعل والتكيف مع  متغيرات البيئة المحيطة  (عماد الدين ، ٢٠٠٣ ، ص 12)  و لقد استرعى نظر الإنسان منذ بدء الخليقة أن بعض الظواهر تتغير تلقائياً بطريقة تعجزه عن إيقاف هذا التغير أو التحكم في مساره ، بينما يمكنه أن يتدخل في بعض الظواهر الأخرى . و النمط الأول يطلق عليه "التغير" لأنه تحول حتمي في الاشياء، أما النمط الثاني الذي يمكن للإنسان أن يتدخل فيه من خلال الجهد المخطط لإحداث تعديلات بغية الحصول على أفضل مردود فهو ما نشير إليه بمفهوم "التغيير" . و يعتبر التغيير أهم مفاتيح الخلاص من الأزمة المعاصرة التي تعيشها الدول النامية ، و لا شك أن التغيير الذاتي- لدى كل فرد – يشغل حيزاً واسعاً في إعادة تشكيل العقل الواعي بدواعي التغيير و متطلباته  وهنا يبرز دور المؤسسات التعليمية التي تأتي في طليعتها الجامعة (1: 10).

 ثقافة التغيير:  لقد أضحى مفهوم ثقافة التغيير من المفاهيم المستحدثة و المهمة في حياة الإنسان المعاصر، و نتيجة لحداثة هذا المفهوم، فقد حدث بعض الخلط و اللبس في استخدامه وفي علاقته بمفهوم التغيير الثقافي. لذلك ينبغي أن نوضح أن هناك فرقاً جوهرياً بين المفهومين ، فمفهوم "ثقافة التغيير" يعني أن للثقافة دور هام في تغيير الواقع إلى الأفضل ، بينما مفهوم "تغيير الثقافة" يعني التخلي عن مقومات الثقافة الحالية  و محاولة اكتساب مقومات ثقافة أخرى كسبيل للتغيير و التطوير (28: P.20).

  وثقافة التغيير بالغة الاهمية، سواء للفرد او للمجتمع، فهي مهمة  في حياة الفرد لكونها:

- تنمي وعي الفرد بمضمون حركة التغيير و ثقافته و مغزى التحولات السريعة في التطورات العلمية و تأثيرها في حياته و مدى ملاءمتها لعالم الإنسانية.

- تزود الأفراد بقواعد أساسية تستند إلى مرجعية الثقافة و القيم ، يحتكم إليها في تقدير المضمون الاجتماعي و الإنساني لحركة التغيير في المجتمع .

- تكسب الفرد كيفية التعامل مع المستجدات و التطورات الطارئة بما يتوافق مع شخصيته و مع ما يرتضيه المجتمع .

- تساعد الفرد على النهوض بفكره و مجتمعه من خلال نظرته الشمولية لعملية التغيير الثقافي .

 كما انها مهمة للمجتمع لكونها:

- تؤكد على نظرة المجتمع و رؤيته المنهجية لعملية التغيير و التي تحدد وضعية المجتمع في  تفاعله مع المستجدات العالمية و القيم المرتبطة بها بما يؤكد على المرجعية المعيارية لثقافة المجتمع .

- تؤكد عناصر التواصل بين هوية المجتمع و مستجدات التطور العالمي و التي تعمل على توجيه حركة التغيير نحو تحقيق مطالب المجتمع و تنمية قيم البناء الحضاري و الإنساني.

- تهيئ أفراد المجتمع لاستقبال نواتج عملية التغيير المجتمعي و تفعيلها لصالح المجتمع .

- تزيد من فرص انتقاء بعض آليات التغيير و جوانبه بحيث تتوافق مع نظرة المجتمع و فلسفته

- تعمل على تحريك ثقافة المجتمع نحو  التأكيد على أهمية التغيير من أجل تحقيق ارتقاء المجتمع ( :1 13).

ومع تنامي ادراك اهمية ثقافة التغيير، و عبّر هذا الاهتمام عن نفسه في مظاهر عدة منها ظهور كم هائل من الجمعيات و المنظمات الثقافية الوطنية و الاقليمية و الدولية، و انعقاد العديد من المؤتمرات الثقافية الوطنية و الدولية، و اعلان عقود دولية للثقافة مثل عقد التنمية الثقافية و عقد ثقافة السلم و … الخ. و مؤخرا تبلورت بصورة اوضح بعض المتغيرات الثقافية الدولية المترابطة مع بعضها و المرتبطة بدور الثقافة مما دفع بالمسألة الثقافية الى صدارة الاهتمام و الهم الدوليين. و من هذه المتغيرات:

-تصاعد نمو الاقتصاد الثقافي: مع تواصل ثورة الاتصالات و التقنية و نشوء مجتمع المعرفة التحمت الثقافة اكثر بالاقتصاد و شهد قطاع الانتاج/ التصنيع الثقافي نموا هائلا و بمعدلات اسرع  بكثير من القطاعات الاخرى التقليدية و انتعش على اثر ذلك  سوق عالمي ضخم للثقافة بدأ يدر على المنتجين الثقافيين ارباحا مضاعفة. و من جانب اخر،  و كمظهر اخر لتنامي التحام الثقافة بالاقتصاد، ازداد التوجه لتوظيف الثقافة لتوسيع الاسواق الدولية الخاصة بمنتجات معينة من خلال الترويج للتحولات الثقافية الداعمة لنشر الثقافة الاستهلاكية 28: P.19)).

-تسارع معدل العولمة الثقافية: مع التضخم و التوسع المتسارع لثقافة  معينة هي الثقافة الغربية و خاصة الامريكية على المستوى الدولي  بدأت الثقافات الاخرى تشهد، وإن بدرجات مختلفة،  تراجعا و اضمحلالا. ونتج عن ذلك تزايد زوال و فناء الثقافات بمعدل متسارع اثار قلق سائر الثقافات. ففي عصر العولمة و تدفق المعلومات وتسارعها ، لذلك نحتاج إلى تعليم جامعي يؤدي إلى اعداد الشباب و تمكينهم من تلقي المعلومات و تنظيمها و حسن استخدامها في مواجهة تحديات العصر ومتطلباته (17: 1).

الدور الثقافي للجامعة: يرتبط الدور الثقافي المتغير للجامعة بطبيعة الثقافة السائدة في المجتمع المحيط بالجامعة. فاذا  لم يكن  للثقافة، في حد ذاتها، دور ما في قبول عملية التغيير، لا يعد هناك مجال اصلا  للحديث عن دور ثقافي، سواء للجامعات او غيرها من المؤسسات التربوية والمجتمعية، اذ ان ما قد يكون لأي مؤسسة من دور ثقافي معين لابد ان يكون مستمدا من دور الثقافة نفسها، أي أن دور الثقافة هو الاطار العام الذي يتحدد داخله الدور الثقافي المحتمل لأي مؤسسة، بما فيها الجامعة. لذلك لابد أن يبدأ الحديث عن الدور الثقافي للجامعات بالحديث عن دور الثقافة في الحياة المجتمعية. فالثقافة بما تشتمل عليه من عناصر مختلفة، مثل العادات والتقاليد و الاعراف و الاخلاق و المشاعر و الافكار و القيم و الاتجاهات ، مارست و تمارس دورا مهما في تشكيل ملامح تاريخ و حاضر المجتمعات البشرية. و الارجح  أن يستمر بل و ينمو و يقوى دور الثقافة في حياة المجتمعات مستقبلا ( أبوزيد، 19990، 99).

 سمات دور الثقافة ( 17: 2):

دور مزدوج: يختلف دور الثقافة وعلاقتها بالتغيير باختلاف مضمون الثقافة. فالثقافة التقليدية يكون دورها تقليديا، أي دورا يكرس التخلف و الجمود و المحافظة على الوضع الراهن ، بقدر ما يعوق التطوير و يناهض التغيير.  بينما الثقافة المتنورة او الناهضة، يكون دورها دورا تطويريا و حداثيا،  أي دورا يدفع الى التغيير و التحديث،  بقدر ما يقاوم التخلف و يناهض الجمود. و بالمثل فان ثقافة التطرف و العنف تمارس دورا صداميا يكرس الصراع التنظيمي  بقدر ما يعوق الحوار  و يخل بالسلم، بينما ثقافة الحوار والاعتدال و السلم تمارس دورا حواريا سلميا يكرس التحاور والاعتدال و السلام بقدر ما  يناهض الصراع  و يحد من الاحتراب. و اجمالا ، فان الثقافة تمارس دورا ايجابيا او دورا سلبيا، و غالبا دورا خليطا من السلبية و الايجابية، بناء على مدى ايجابية او سلبية مضامينها.

دور ارادي: عادة ما تؤثر الثقافة على الانسان  من خلال قبوله و تمثله لها. و حيث أن قبول الثقافة لا يكون الا طوعا، اذ يتعذر تأمين قبول الثقافة عن طريق فرضها بالقوة المادية، بمعنى أن تأثير الثقافة تأثير ذاتي معنوي نابع من داخل الفرد. و كثيرا  ما يكون دورا اختياريا واعيا و ليس قهريا .

الجامعات وثقافة التغيير: تنبع اهمية الدور الثقافي للجامعة  من أهمية الجامعة  في النسق التعليمي ، حيث إن هذه المؤسسة معنية بشريحة عمرية هامة من الطلبة، وهى شريحة تمثل فترة الشباب ، التي تعتبر مرحلة غاية في عملية التغيير. فهذه الشريحة هي التي ترسم مستقبل المجتمع، لكونها القوة البشرية القادرة على النهوض، لصناعة التغيير واحداث التطوير. لذلك يعتقد معظم المربين والمصلحين أن هذه المرحلة من السلم التعليمي إنما يجب أن تحتل أهمية خاصة من حيث الإصلاح والتطوير لتمكين الشباب من المقومات والمهارات التنافسية وفق المعايير العالمية، وخاصة ونحن في عصر الجودة المعلوماتية ومجتمع المعرفة والسماوات المفتوحة.

وفي ضوء تنامي الاهتمام بثقافة التغيير، لا يبدو غريبا ان يحظى دور الجامعات  باهتمام متزايد. و تعود اهمية الدور الثقافي للجامعة، اجمالا، الى اهمية الثقافة و ضرورتها لحسن اداء  الجامعات  لسائر مهامها الاساسية ووظيفتها الاساسية  و ذلك على نحو ما تبينه النقاط التالية ( 17: 5):

-الثقافة توجه توظيف العلم: العلم اساسا اداة و الثقافة هي العامل الاساسي ليس فقط في تعزيز او اضعاف الدافع لتوظيف العلم و انما ايضا في تحديد وجهة او هدف توظيفه او استخدامه سلبا او ايجابا. فبناء على طبيعة ثقافته يحرص او لا يحرص الانسان على توظيف العلم و الاستعانة به في تحقيق اهدافه. و الثقافة الايجابية القيم نحو الانسان والمجتمع تدفع صاحبها الى الحرص على توظيف العلم لمصلحة الانسان والمجتمع و عدم استخدامه في ما يضرهما، بينما الثقافة السلبية القيم نحو الانسان والمجتمع قد تولد لدى صاحبها عدم الاكتراث بما اذا كان ما يوظف علمه فيه  ذا مردود خير او شر على الانسان و المجتمع طالما  كان يحقق له بعض اغراضه الشخصية.    و لذلك نجد انه عندما اختل توجيه الثقافة للعلم  و اصبح العلم يوظف في منأى عن توجيه القيم و الضوابط الثقافية المعتبرة  أخطأ العلم مساره السليم و انحرف عن اهدافه الايجابية احيانا. و نتيجة لذلك انتهى البحث العلمي في بعض الحالات الى اكتشافات و نتائج ضارة تهدد بقاء البشرية مثل اكتشاف و صناعة اسلحة الدمار الشامل و التطبيقات الصناعية الضارة بالبيئة . و اقدم البحث العلمي مؤخرا على مغامرات تخل بكرامة الانسان و قد تتمخض عن عواقب وخيمة قد لا تكون في الحسبان ، و من ذلك مغامرات الاستنساخ البشري و احتمالات محاولات توظيف الهندسة الوراثية لأغراض غير مشروعة.

      وهكذا يتضح انه عندما يبتعد العلم و ينفصل عن ضوابط الثقافة ايجابية القيم او يصبح اسير الثقافة سلبية القيم،  يصبح من غير الممكن ضمان عدم حدوث تعارض و تناقض بين مهام الجامعة حيث يمكن – مثلا- ان تكرس مهمة البحث العلمي تشجيع الاكتشافات و الاختراعات التي تضر المجتمع و هو ما يتعارض مع مهمة خدمة المجتمع المناطة بالجامعة .

-  العلم يكرس عقلانية الثقافة: بقدر ما ان الثقافة توجه العلم، يوجه العلم ايضا الثقافة حتى لا تقع هذه الاخيرة  في براثن الخرافة و الاساطير او تتيه في متاهات اللاعقلانية. و يختل توجيه العلم للثقافة إما لان حظ هذه الثقافة من العلم قليل أي أن الكسب العلمي لأهلها ضعيف، كما كان هو حال الشعوب البدائية، و إما لحدوث شرخ في العلاقة بين العلم و الثقافة يضعف توجيه العلم للثقافة المعنية بالرغم من توافر حظ اهلها من الكسب العلمي. فنتيجة لعدم تجذر البعد العلمي في البنية الثقافية  في مجتمعاتنا  العربية قد ادى الى ظهور ما يمكن  تسميته بالثنائية الثقافية التي تتجلى في اظهار البعض عقليتين و سلوكين متناقضين، حيث نجدهم يفكرون تفكيرا علميا دقيقا في مجالات معينة مثل مجالات الدراسة و البحث العلمي،  بينما يفكرون تفكيرا تقليديا لا صلة له بالعلم في مجالات اخرى، مثل المجال الديني و المجال الاجتماعي والمجال السياسي، و يسلكون سلوكا عقلانيا في مجالات معينة مثل المجال المهني العلمي، بينما يسلكون سلوكا لاعقلانيا بل خرافيا في مجالات من مثل مجال العادات والتقاليد الاجتماعية     (17: 6، 7)، ( 6: 102).

          غير ان هذا الدور الثقافي الجديد للجامعة يتطلب احداث تغيير  في الثقافة المجتمعية، اذ يتعين على مؤسسات المجتمع أن تتوزع مهام التغيير المجتمعي في ما بينها. على ان فاعلية هذه الادوار مرهون بالدور القيادي للجامعة في حركة التغيير المجتمعي، و ذلك- اولا- بحكم المهام المناطة بها و- ثانيا- بفضل ما تتوافر لها من الكوادر البشرية و المقدرات العلمية الكفيلة بتمكينها من ادراك اهمية التغيير و ابداع الافكار اللازمة لتحقيق مثل هذا التغيير و – ثالثا- لكونها تحتضن الفئة الاكثر  تعلما من عنصر الشباب و الذي يمثل عادة العنصر الاكثر قبولا و استعدادا لفكرة التغيير. و اغلب الظن انه ما لم تتصدى الجامعة لمهمة قيادة التغيير، فان احتمال أن تحسن القيام بهذه المهمة أي مؤسسة اخرى  يصبح ضعيفا،  نظرا لان الجامعة هي التي تمد المؤسسات الباقية بكوادرها القيادية، وما لم  تكن الجامعة قد اهلت هذه الكوادر للقيام بمهمة الريادة، فان الارجح أن يكون اداؤها ضعيفا، والجامعة لا يمكنها أن تحسن تأهيل هذه الكوادر للقيادة، ما لم تكن هي نفسها تتولى مهمة قيادة حركة التغيير المجتمعي, و كما يقال: "ان فاقد الشيء لا يعطيه" ( 27: P.13 ).

            واذا تقرر ان وظيفة الجامعات هي قيادة حركة التغيير المجتمعي، فان مدى نجاح الجامعات في القيام بهذه الوظيفة، يظل دائما رهنا بمدى نجاح الجامعات في القيام بدورها الثقافي. ذلك انه و إن كان من المؤكد أن التغيير  هو عادة حصيلة لعوامل مجتمعية مختلفة،  إلا انه يبقى العامل الاهم هو العامل الثقافي. فبالإضافة الى انه العامل الاوسع تأثيرا ، يتميز العامل الثقافي بكونه الأرفق  نهجا لأنه يتوسل بالكلمة و التي غالبا ما تفشل محاولات فرضها بالقوة المادية و بكونه العامل الاقل تسببا في الاثار السلبية غير المنظورة للتغيير المجتمعي لان التغيير الذي يحدثه العامل الثقافي  هو تغيير ارادي طوعي واع  يصحبه عادة  نقاش حر و واسع بين  القوى المؤيدة و المعارضة حول جوانبه الايجابية و السلبية و اثاره المحتملة و هو ما لا يتوافر عادة و بنفس القدر للتغيير من خلال العوامل الاخرى. و بغض النظر عن كونه العامل الاهم مطلقا في التغيير المجتمعي، يكتسب العامل الثقافي  اهمية خاصة بالنسبة للجامعات، لأنه عادة  ما تتوافر للجامعات متطلبات توظيف العامل الثقافي اكثر مما تتوافر لها متطلبات توظيف عوامل التغيير المجتمعي  الاخرى  كالعامل السياسي و العامل الاقتصادي (                     1: 99).




ثالثا: واقع ثقافة التغيير في الجامعات اليمنية:

          إن الجامعات لا تستطيع تأدية دورها في عملية التغيير والتقدم والبناء الحضاري بدون تطور سياسي واجتماعي واقتصادي مواز ومواكب لتطورها في جو ديموقراطي يتيح الفرصة كاملة لحرية ( البحث) و ( الرأي) و (النقد) ، ويرى البعض أن الجامعات العربية تشكو أزمة حقيقة وهي جزء من أزمة التخلف العامة التي يعيشها المجتمع العربي . وقد انعكس ذلك سلبا على  الادوار الثقافية لهذه الجامعات ، فبدلا من أن تكون الجامعات (رائدة) في قيادة المجتمع وتغييره ، أصبحت (تابعة) تعكس سلبياته وتحتكم الى مرجعياته التقليدية ( 17: 9) لذلك نجد ان التعليم العالي في البلدان العربية اصبح اليوم اكثر من اي وقت مضى بحاجة شديدة الى هزة كبرى وتغيير جذري يمكنه من مواكبة مطالب العصر وتحدياته ( 18: 70)، (6: 131).

          والمتابع لأحوال المجتمع اليمني، يجد ان الملمح العام للثقافة  السائدة فيه  كغيره من المجتمعات العربية، هو الضعف إن لم نقل التخلف والجمود.  و هو ضعف لا يمكن انكاره الا بقدر  ما يمكن انكار  ضعف حال الامة العربية الاسلامية اليوم و الذي يجسد الحقيقة المرة  الوحيدة  التي يكاد يجمع عليها الكثير من المفكرين والمهتمين. و ضعف حال الامة العربية الاسلامية اليوم هو نتيجة لازمة مزمنة أفرزتها عوامل داخلية وفي مقدمتها ضعف ثقافتها الحية  قبل أن تكون نتيجة لعوامل خارجية. فمن الواضح أن الثقافة العربية الاسلامية السائدة تعاني من تغلغل التفكير اللاعلمي، و عدم وضوح الرؤية،  و وجود قابلية عالية لدى قطاع كبير من ابنائها  لتقبل الخطاب الخرافي، و الميل للتلقي و التقليد، و التقييم العاطفي الانطباعي، و الافتقار للإبداع.

           صحيح أن الجامعات  ليست هي السبب في ضعف الثقافة العربية، فهو ضعف سابق لظهور هذه الجامعات، كما انها لا تتحمل وحدها المسئولية عن استمرار هذا الضعف، بيد انه لا يمكن اغفال، ناهيك عن انكار، دلالة تعثر جهود معالجة هذا الضعف،  على اختلال و ضعف الدور الثقافي للجامعات،  ليس فقط لان تعثر جهود المعالجة مؤشر على خلل في مهمة قيادة التغيير و التي هي مسئولية الجامعات، و انما لأنه حتى تعثر الجهود الثقافية للمؤسسات الاخرى  يعود ايضا في بعض جوانبه الى الجامعات، لان ضعف اداء قيادات و كوادر تلك المؤسسات والذي تسبب في تعثر جهودها الثقافية، انما يعكس ضعف إعداد الجامعات لتلك الكوادر و القيادات للقيام  بدورها الثقافي.

          وعليه يمكن القول أن  هناك نوعين من العوامل الكابحة لدور الجامعة في احداث ثقافة التغيير:  العوامل الخارجية التي تتمثل بالضغوط المجتمعية ( سواء من الانظمة الحاكمة او القوى التقليدية المناهضة للتغيير الثقافي)،  و ضعف التقدير الرسمي و المجتمعي للعمل الثقافي ( تهميش مرجعية الجامعات في الشأن الثقافي)، و ضعف العائد المعنوي و المادي للإنتاج الثقافي.

          غير ان العوامل الداخلية هي الاكثر تأثيرا وبالتالي هي التي تعنينا في هذا المقام. وتتبلور العوامل الداخلية بالمناخ الاكاديمي الشائع الاوساط الجامعية و الذي يكرس اضعاف الدور الثقافي للجامعات، والمتمثل بتقليدية الثقافة الجامعية التي تهيمن على مختلف وظائف الجامعة اذ لا تختلف الثقافة السائدة في الجامعات اليمنية كثيرا عن الثقافة السائدة في المجتمع اليمني و التي تتسم عموما بالتقليدية التي من مظاهرها:

1-   النزوع نحو المحافظة على الوضع القائم، والاحتفاظ بما هو موروث سواء الموروث الديني و الفكري او الموروث الاجتماعي و السياسي و الاقتصادي. و هذا النزوع غالبا ما يكون مؤسسا على ما تكرسه الثقافة التقليدية من الاقتناع بان ما كان او ما هو كائن يمثل النموذج الامثل للحياة. و دائما ما يكون هذا التوجه مشفوعا بالتهيب من أي تغيير اساسي او تحديث  واسع . و من الطبيعي أن يضعف هذا التوجه المحافظ فاعلية الدور الثقافي للجامعة في المجتمع . اذ أن مثل هذا الوسط الجامعي غالبا ما  يفتقر الى الاحساس  او الشعور بضرورة القيام باي دور ثقافي تنويري لتطوير المجتمع. وهو ما جعل التعليم يمثل عائقا للتنمية بدلا من يكون وسيلة داعمة لإحداثها ( 22: 7 ).

2-   ضعف ادراك اهمية و مدى قوة  العامل الثقافي كعامل تغيير. و هو ما يدفع بمن يتطلعون  من اصحاب الثقافة التقليدية الى بعض التغيير الاجتماعي و الذي عادة ما يكون تغييرا شكليا و محدودا  الى العزوف عن التوسل بالعمل الثقافي و اللجوء بدلا عنه الى وسائل اخرى غالبا ما تقوم على استخدام القوة كالاستقواء بالسلطة السياسية لممارسة العنف السياسي الذي قد يوسل  بالانقلابات العسكرية. وصحيح أن هناك الكثير من اساتذة الجامعات وطلابها في المجتمع  ممن انعتقوا من هيمنة الثقافة التقليدية  و يتطلعون الى التغيير من خلال العمل الابداعي  و التجديد الثقافي والمشاركة الفاعلة في الحراك السياسي الذي تشهده الساحة اليمنية، كغيرها من الساحات العربية،  الا أن دورهم ما زال محدودا في ظل العوامل الاخرى  و المثبطات الكثيرة التي تعوق جهودهم في عملية التغيير. فالجامعات اليمنية لازالت أسيرة للتوجهات التقليدية سواء في اطرها الفكرية او في بناها التنظيمية او في مناهجها وانشطتها التدريسية.

ثقافة التغيير في اهداف التعليم الجامعي وسياساته:
 ان هيمنة الثقافة التقليدية المقاومة للتغيير لا تقتصر اساسا على واقع الممارسات في مختلف انشطة التعليم الجامعي ، وانما تتجلى على مستوى التصور لتنعكس في جمود التشريعات الموجهة للجامعات. فالموجهات الفكرية للتعليم العالي والجامعي  في اليمن تتبلور بما اعلنه قانون العليم  العالي من مبادئ و اهداف تحدد معالم هذا التعليم وتوجه مساراته، كما تتجسد هذه الموجهات على نحو اكثر اجرائية بما حددته الاستراتيجية الوطنية للتعليم العالي والبحث العلمي من رؤية ورسالة واهداف استراتيجية.

          وبالرجوع الى مصفوفة هذه الاهداف، نجد ان معظم الأهداف المعلنة معنية بماضي المجتمع اليمني، وقليل منها ما كرس لقضايا العصر الحاضر ومشكلاته، ويندر أن نجد من الأهداف ما هو معني بقضايا المستقبل وتحدياته، ومن حيث الأبعاد القطرية والقومية والعالمية, نجد أن الكثير من هذه الاهداف يدور حول القضايا الثقافية الوطنية القطرية، وقليل منها ما كرس لقضايا الثقافة القومية، ويندر أن نجد أهدافا مكرسة للقضايا الثقافية العالمية.

          وفيما يتعلق بمعيار المرونة، فأننا نجد أن الأهداف العامة المعلنة للتعليم الجامعي في اليمن، لم يسر عليها أي تعديل جوهري، منذ إعلانها. فقد أعلنت منظومتان من أهداف للتعليم الجامعي في اليمن، منذ مطلع السبعينات من القرن الماضي, المنظومة الأولى، عنيت بتنظيم التعليم في جامعة صنعاء, فيما كرست الأخرى لتنظيم التعليم في جامعة عدن. وظلت تلك الأهداف (شطرية) التوجه الثقافي والأيديولوجي، لما يقارب العقدين, دون أي تعديل يذكر. ثم أعلنت أهداف موحدة للتعليم العالي والجامعي بعد تحقيق الوحدة، في القانون رقم ( 17) لعام 1995, وعلى الرغم من التعديلات المتعاقبة التي طرأت على هذا القانون، وذلك بصدور القانون رقم ( 30) لسنة 1997م وتعديلات أخرى بالقانون رقم ( 33 ) لسنة 2000م وكذا ما طرأ من تعديل بصدور القانون رقم (13) لعام 2010,  واستحداث المجلس الأعلى للجامعات، الذي يعنى برسم السياسة الوطنية  للتعليم العالي. وصدور اللائحة التنفيذية لقانون الجامعات 2006, وكذا إقرار الاستراتيجية الوطنية لتطوير التعليم الجامعي 2006. ومع ذلك ظلت  أهداف التعليم الجامعي جامدة دون أي تغيير جوهري يذكر, بل أن ما طرأ على الأهداف من تعديل في الصيغة الأخيرة للقانون، رقم (13) لعام 2010 ، قد اقتصر على مجرد اختزال منظومة الأهداف من (20) هدفا، إلى عشرة أهداف فقط، أكثر من كونه تطويرا لهذه  الأهداف، على الرغم من كثرة التحديات والمستجدات التي يشهدها التعليم العالي، في اليمن، وفي البلاد العربية، بل وفي العالم بأسره، وخاصة فيما يتعلق بالمستجدات الناجمة عن  متطلبات الاعتماد الأكاديمي وضمان الجودة، وغير ذلك من الاتجاهات الفكرية المعاصرة التي احدثت تغييرات جوهرية في التعليم العالي، ناهيك عما تشهده الساحة اليمنية من حراك سياسي غير مسبوق في تاريخ اليمن المعاصر.

كما ان هذه المرجعيات وعلى تقليديتها، ظلت عند مستوى التصور بعيدا عن التأثير الفعلي في واقع الممارسات، حيث لم تترجم الى مستوياتها المتتابعة التي تجعلها لصيقة بما يدور في واقع العملية التعليمية، فعلى سبيل المثال نجد ان الاستراتيجية الوطنية لتطوير التعليم العالي لم تعد في ضوء هذه الموجهات الفكرية، ناهيك عن انها لم تترجم الى استراتيجيات فرعية على مستوى الجامعات اليمنية، لذلك ليس غريبا ان  نجد  الجامعات اليمنية جميعها تفتقر الى الاستراتيجيات الخاصة بها والتي يفترض ان يتم وضعها في ضوء الاستراتيجية الوطنية.

البنية الهيكلية للتعليم الجامعي وثقافة التغيير: يتوقف نجاح التغيير على مدى التزام وقناعة القيادة الإدارية بضرورة الحاجة لتبني للتغيير، وهذه القناعة يجب أن تترجم في شكل دعم ومؤازرة فعالة من خلال توضيح الرؤية، والحصول على ولاء والتزام المديرين في المستويات المتتابعة لتنفيذ عملية التغيير. بمعنى اخر ان أحد أهم الأدوار للقيادات خلال عملية التغيير تتمثل في مساعدة المتأثرين بالتغيير للتكيف مع بيئة وظروف عدم التأكد التي يخلقها التغيير، ويتحتم على القيادات في نفس الوقت العمل على التأكد من أن التغيير يسير حسب الخطة. فقد أكدت الدراسات (24: 122). أن أسباب فشل العديد من مبادرات التغيير يرجع لمقاومة التغيير. وهنا يبرز دور القيادات في تخفيف حدة مقاومة التغيير.

ذلك ان أحد مظاهر القيادة التحويلية تتمثل في القدرة على تحفيز والهام التابعين وتوجيههم نحو تقبل التغيير. لذلك تعتبر قيادة التغيير النمط القيادي المنشود لإحداث التغيير وتحقيق التعايش الفاعل لمؤسساتنا التربوية في القرن الحادي والعشرين، والاستجابة بشكل أفضل لمتطلباته وتحدياته وتقنياته . ومن ابرز جهود قيادة التغيير إعادة هيكلة التنظيم المؤسسي ويتضمن إحداث التغيير في البناء الرسمي للمؤسسة التربوية، وإعادة بناء النسق الثقافي في المؤسسة التربوية  ويتضمن إحداث التغييرات في النماذج والأساليب والقيم والدوافع والعلاقات والمهارات( 11:11).

وتأسيسا على ذلك نجد إن السبب الرئيس في فشل العديد من محاولات التغيير  في الجامعات العربية وخاصة اليمنية، يعود إلى الإفراط في ممارسة الدور الإداري وغياب الدور القيادي التحويلي. والرضا المبالغ فيه عن الوضع الحالي للمؤسسة، والافتقار لوجود الرؤية الواضحة أو ضعف القدرة على توصيلها عبر رسالة الجامعة، وعدم وصول التغيير إلى جذور ثقافة المؤسسة، ومقاومة بعض العاملين للتغيير ومعارضتهم له بسبب ارتياحهم للمألوف، والخوف من المجهول أو من فقدان المصالح المكتسبة والمرتبطة بالوضع القائم، أو سوء فهمهم للآثار المرتقبة للتغيير وتسييس العمل الاداري الجامعي وهيمنة الضغوط المجتمعية على عملية صناعة القرار وهو ما يكبل الجامعات ويكرس تبعيتها للسلطة السياسية وتبرز تدخلات السلطة  السياسية في توجهاتها وفي تعيين قياداتها الإدارية وفي الاقتحام الامني للحرم الجامعي بذرائع متنوعة، ولكنها جميعا تمثل استلابا فاضحا لاستقلالية الجامعة. وهذا بالضرورة يفضي إلى انشغال الاكاديميين بصراعات حزبية فئوية ضيقة ويدفع لتسيّد الخطاب السياسي –والحزبي على الخطاب  العلمي الاكاديمي.(3: 131).

ولازال الاعتقاد عند صانع القرار ان سوق العمل يقتصر على الفضاء المحلي او القطري، بعيدا عن المنافسة والعمل في السوق الاقليمية ، ففي الوقت الذي لا يكفل فيه اقتصاد اليمن العديد من فرص العمل، تشير بعض التقارير أن خريجي  التعليم العالي من اليمنيين  هم أقل قدرة على التنافس في الأسواق الإقليمية والعالمية على حد سواء،  مقارنة بنظرائهم في العديد من البلدان الأخرى . لذلك غالبا ما يفضل العمال غير اليمنيين على العمال اليمنيين. كما أن الغالبية العظمى من المهاجرين المهرة من اليمن يحصلون على فرص عمل في الاقتصادات منخفضة الأجور (3: 90  ).

مناهج التعليم الجامعي وثقافة التغيير: في الوقت الذي نجد فيه الجامعات العربية والعالمية تسعى اليوم جاهدة لتجويد مناهج التعليم الجامعي فيها و تتنافس في استخدام نماذج  تعليمية جديدة كالتعليم الالكتروني، نجد ان الجامعات في اليمن تتحول الى مؤسسات تدريس نمطية وليس إلى مؤسسة تعليمية توفر المعرفة اللازمة لمواجهة تحديات العلم المعاصرة، حيث تسود  في جامعاتنا مناهج تعليمية تقليدية تعتمد على الحفظ والتلقين كوسيلة وحيدة للتعلم، بعيدا عن  الاهتمام بوسائل وتقنيات التعليم الحديثة، مما أدى إلى تحويل معظم عمليات التعليم إلى واجب حفظي (لكمّ) من المعلومات، تسمح للطلبة بتجاوز سنوات الدراسة، والحصول على الشهادة الجامعية لا أكثر،  وهو ما أدى إلى اكتفاء جزء كبير من اعضاء هيئة التدريس بجمع كمية من المعلومات وإعطائها للطلبة بطريقة لا تتوافق مع اساليب التعليم الحديث. فالمحاضرات الجامعية  تطبع وتنسخ على هيئة مذكرات او ما يعرف ب(الملازم)، لتباع للطلاب في المكتبات (التجارية) دون رقابة ومسؤولية، مما أضر بمستوى التعليم الجامعي وجعله امتدادا نمطيا للتعليم العام. ناهيك عن غياب المنهج التعليمي الذي ينطلق من وثيقة مرجعية تحدد المفردات الرئيسية لكل مادة دراسية، فكل مادة في دورة فصلية تختلف مفرداتها عن ما قبلها وما بعدها - كمّاً ونوعاً- بحسب طريقة الأستاذ المحاضر ( 22: 101 )، (16: 9، 10).

وتأسيسا على ذلك، لا تقدم الجامعات لطلابها ما يكفي لحسن اعدادهم و تأهيلهم ثقافيا. فالمادة الثقافية التي تتضمنها المقررات الجامعية فقيرة ،  لا تهدف الى اثارة الاهتمام والتأهيل الثقافيين  الذين يولدان الابداع الثقافي و العلمي،  بقدر ما تهدف الى التحصين الثقافي، ولكن  بأسلوب  اقرب الى تكريس الثقافة التقليدية، و مناهج التقويم الجامعية لا تعطي اعتبارا  كافيا للأداء او العمل الثقافي. و بالرغم من اهمية  بعض المقررات من مثل مناهج البحث في التأهيل الثقافي للطلاب وتنمية مهاراتهم وتعزيز قدراتهم على الابداع الثقافي  والعلمي و في تكريس الثقافة العلمية التي يفتقر اليها طلبة الجامعات إلا أن تدريسها لا يحظى بالاهتمام المناسب.

 الأنشطة الطلابية وثقافة التغيير: لا يقتصر دور التربية الحديثة على النشاط الصفي في تزويد الطالب بالثقافة العامة الأساسية، وتنمية القيم والاتجاهات والميول والمهارات وأساليب التفكير المرغوب فيها فحسب، بل اتجهت إلى الاهتمام بالفرد من جميع جوانبه على اعتبار أنه شخصية متكاملة، وأنه عضو فعّال فى المجتمع. وعليه أصبح الطالب في أنظمة التعليم الحديثة هو المحور الذي تدور حوله العملية التعليمية، وأصبح الهدف الأساسي من التعليم هو تنمية شخصيته، وإحداث التغيرات الإيجابية فيها، حتى يتمكن من معايشة متطلبات الحياة العصرية المليئة بالمتغيرات والمتناقضات العديدة (15: 6).

        بيد أن إحداث هذه التغييرات في الجامعات اليمنية يتطلب تغييراً في مسار الحياة الدراسية، التي ينبغي أن تتضمن الممارسات العملية لكافة ظروف الحياة في المجتمع، ويمكن أن يتأتى ذلك من خلال ممارسة العديد من ألوان الأنشطة الطلابية. ذلك أن الحياة الدراسية تعاني من الازدواجية، فالأنشطة الطلابية الجامعية تسير في  واد ومعطيات الحياة المجتمعية تسير في واد اخر. لذلك يظهر ضعف اهتمام الطلبة اليمنيين بالثقافة و العمل الثقافي جليا من عدم حرصهم على الحضور و المشاركة في النشاطات الثقافية الجماعية و من محدودية ما يبذلونه من نشاط او جهد ثقافي فردي كالاطلاع الشخصي. و لعل الكثير من طلاب الجامعات تنقضي فترات دراساتهم الجامعية دون أن يكونوا قد فكروا بجدية، و لو مرة واحدة، في محاولة الاطلاع على ما سوى الكتب و الملازم المقررة و ربما على ما سوى فقط اجزاءها المحددة من قبل اساتذة المواد المعنية  و بالتالي، فانهم عادة ما يتخرجون من الجامعة  دون تغيير حقيقي في وضعهم  الاخلاقي و بنائهم الفكري او اهتمامهم الثقافي. و بالتالي لا يشجع الطلاب و لا الاساتذة على التفاعل او العطاء الثقافي، و كثيرا ما تكون البنى الثقافية اللازمة لانتعاش و ممارسة العمل الثقافي كالمسارح و المكتبات و الصالات الثقافية محدودة و ضعيفة الاعداد و التجهيز في هذه الجامعات. و مما يدعو للغرابة انه  في بعض  الجامعات تكون بعض هذه البنى او الخدمات، كالمكتبات،  متاحة فقط اثناء الدوام الرسمي  و الذي يكون فيه الطلاب و الاساتذة مشغولون بالمحاضرات مما يقلل فرص الاستفادة منها في العمل الثقافي المجتمعي.

          و لا يكاد مجتمع الاساتذة في الجامعات يختلف كثيرا عن مجتمع طلابها  من حيث الجمود او ضعف النشاط الثقافي، و قليل من الاساتذة  من يوجه الطلاب او يقوم هو شخصيا  بممارسة عمل ثقافي منظم موجه للمجتمع الخارجي. و قد لا يكون ذلك امرا مستغربا كثيرا اذا ما تذكرنا أن اكثر هؤلاء الاساتذة قد درسوا في و تخرجوا من ذات الجامعات التي لا تولي للثقافة اهتماما كبيرا.  بالإضافة الى ما يسود الجامعة و المجتمع  حولها من اتجاهات تقليدية تولد الشعور لدى الاساتذة و الطلاب على السواء بضعف عائد العمل الثقافي سواء العائد المعنوي او المادي، وتتضافر عوامل اخرى  على اضعاف الاهتمام بالعمل الثقافي و من هذه العوامل ما يتعلق بالجامعة من مثل ما تضعها بعض الجامعات من عوائق عملية و احيانا  قيود قانونية واجراءات رقابية غير مبررة - غالبا بإيحاء خارجي-على النشاط الثقافي او انواع معينة منه.

البحث العلمي  الأكاديمي وثقافة التغيير: من المعروف أن من أهم وظائف الجامعات هي التدريس والبحث العلمي.، غير ان الجامعات اليمنية كغيرها من الجامعات  العربية تركز على التدريس، حتى إنه يحتل مركز الصدارة في النشاط الاكاديمي، ونتيجة لذلك وللأعداد الكبيرة للطلبة التي تشكل نسبة مرتفعة مقارنة بعدد ا لأساتذة في هذه الجامعات، نجد أن لأستاذ الجامعي يقضي معظم وقته في التدريس، و لا يتوفر لديه الوقت الكافي لإجراء البحوث العلمية. ومن جهة أخر ىفإن البحث العلمي الجامعي يغلب عليه الطابع أكاديمي.  اذ ان من أهم دوافعه  الترقية العلمية. فلا توجد خطط بحثية في الجامعات من خلالها يتم تحديد اولويات البحوث، ناهيك عن عدم توفر الميزانية اللازمة لأجراء البحوث الاكاديمية، لذلك فان النتائج التي تتوصل إليها معظم البحوث فهي وصفية أكثر منها تحليلية  اجرائية.   ناهيك عن إن التكرار والتشابه واجترار التراث جمعا وتصنيفا  هو السمة البارزة في البحث العلمي الأكاديمي ، فضلا عن القطيعة بين موضوعاتها وبين  قضايا العصر ,وتحديانه، فمعظم هذه البحوث تعالج قضايا الماضي . غير ان ابرز ما يكبل الجامعات وقدراتها البحثية على وجه الخصوص، انما يتجلى في تبعيتها للسلطة السياسية، وهذا بالضرورة يفضي إلى افتقار الجامعات الى الاستقلالية والحرية الاكاديمية وهي من ابرز معوقات البحث العلمي الاكاديمي ( :20 276)، (22: 106).

 

الجامعة والتغيير السياسي:

 
          على الرغم من ان عملية التوعية السياسية تبدأ  مبكرا في حياة الفرد وتستمر بطريقة  غير مقصودة طوال حياته،  مما يبرز أهمية دور الأسرة  والإعلام  ودور العبادة , إلا أن للمؤسسة التعليمية وخاصة الجامعة الجانب الأكبر  والأساس في  تنمية الثقافة  السياسية  للطلبة. ويكون دور الجامعة في تشكيل الوعي السياسي  في إطار هذا الواقع , ليس تنمية هذا  الثقافة فحسب , بل مساعدة  الطالب على تطوير وعيه السياسي وإعادة تشكيله. فالوعي السياسي  للطالب, وبحكم الظروف  التي تطور  من خلالها وعيه السياسي, يشمل معلومات, ومعارف  ومفاهيم  غير دقيقة يجب  تصحيحها , وقيماً واتجاهات  يجب توجيهها , ومهارات وسلوكيات سيئة ينبغي تعديلها, وهنا تؤدي   الجامعة دورها  الفاعل في  التوعية السياسية  بصورة رئيسية  من خلال التعليم  والأنشطة  الطلابية الأخرى  في الحياة الجامعية . 

          وفي ا لوقت  الذي يرى فيه بعض المفكرين أن  غياب الديمقراطية  الحقيقية في المنطقة العربية سببه عدم  رغبة  الحكام بقيامها  وليس رفض الشعوب لها, فإن  هناك  من يؤكد  أثر العوامل الثقافية  والتعليمية  في تنمية ثقافة التغيير السياسي وتأهيل المواطنين  للممارسة الديمقراطية. فقد أكد الواقع عبر  العديد من النماذج السياسية  وعبر المراحل التاريخية في  المنطقة  العربية أن ضمان  صحة  أو سوء  العلاقة بين المواطن  والدولة لا يتوفر  بمجرد صدور الدساتير  والقوانين المنظمة للحياة السياسية، طالما بقيت  الافكار  والاتجاهات  والممارسات التقليدية هي المهيمنة على ذهنية الجماهير.  فتغيير المجتمع لا يكون إلا بتغيير  ذهنية المواطنين وانماط  القيم  السائدة لديهم . لذلك  لم يكن غريباً  أن يأتي التعليم والتعليم الجامعي على وجه التحديد، في مقدمة  كل مسارات  الاصلاح  السياسي العربي، سواء تلك   الاصلاحات القادمة من خلف  الحدود  أو تلك  المطروحة  من الداخل  . كما يكن غريباً  أن يتزعم   الثورات الشعبية العربية  الشباب الواعي  وفي مقدمتهم الشباب الجامعي في مختلف  الساحات  الثورية  في المنطقة العربية .

 

الجامعة والتغيير الاجتماعي:

على الرغم من زوال البنية الطبقية التقليدية رسميا بعد قيام الثورة، وتحللها بفضل التغيرات المجتمعية، وعلى الرغم منان التعليم قد نما تدريجيا على نحو يواكب التقسيم الاجتماعي الناجم عن العلاقات الانتاجية الحديثة بيد ان التعليم والتعليم الجامعي خاصة، ظل يحتفظ بكثير من رواسبه القديمة ، يتجلى ذلك في خضوع نمو التعليم للموجهات الاجتماعية التقليدية، كون التعليم أصبح من عوامل الوجاهة الاجتماعية التي تكسب المكانة اجتماعية. وتجلت فاعلية المرجعيات الاجتماعية التقليدية في تنسيب الطلبة على تخصصات تعليمية معينة على حساب تخصصات أخرى، مما أدى الى تضخم التعليم الاكاديمي العام وتضييق مساحة التعليم المهني بصورة مخلة بخطط التنمية، بل ومضادة لها. فالموروثات الاجتماعية لازالت تتحكم بجانب كبير من معايير اختيار التخصص الدراسي.   

ولان سياسة القبول تقتضي تنسيب الطلبة في التخصصات الدراسية في التعليم العالي بعيدا عن أي توجيه او إرشاد أكاديمي للطلبة، نجد هذه السياسة  تكرس الاتجاهات النمطية  التقليدية للأدوار المستقبلية  المحددة ثقافيا للنوع الاجتماعي، فهو تنسيب يغلب عليه التنميط النوعي.. فعلاوة على تدني التحاق الإناث في التعليم العالي، نجد ان بعض المجالات الدراسية تظل خاصة بالذكور. فالملتحقات بالتعليم العالي يتركز وجودهن في التخصصات (المنمطة) اجتماعيا ، وهي الاقل مكانة اجتماعية والادنى عائدا اقتصاديا.

 
 
 

مظاهر ضعف الدور الثقافي للجامعات اليمنية:

- لم تتمكن الجامعات اليمنية  حتى اليوم من النجاح في ما نجحت فيه الجامعات المتقدمة، بل الجامعات العربية، من تجذير الثقافة العلمية والتنويرية في الوسط الجامعي. فطلبة الجامعات اليمنية، و أن كانوا يتلقون فيها العلم بمختلف فروعه فان دافعهم الاساسي- و غالبا الوحيد- لذلك يبقى و يظل هو فقط الحصول على الشهادة التي تضمن التأهل لوظيفة/ مهنة يرتزقون منها. لذلك مازالت جامعاتنا عاجزة عن تطوير هذا الدافع الى دافع علمي/ثقافي اولا ووظيفي ثانيا. و حيث أن مثل هذا التطوير إنما  يتم بجهد ثقافي تعمل الجامعات من خلاله على اكساب الطلبة الثقافة العلمية اي التوجه العلمي الابداعي،   فان من الواضح أن  فشل الجامعات في هذا المجال  انما هو مظهر من مظاهر ضعف دورها الثقافي.

وقد يبرر البعض ضعف فاعلية الثقافة العلمية في الجامعات لعدم توفر المعامل و المراكز البحثية التي تمكنهم من الابداع والابتكار.  فصحيح أنه لا تتوافر مثل هذه الامكانات على النحو المطلوب، و لكن كيف نفسر  ضعف أن لم نقل غياب الاسهام الابداعي حتى في العلوم النظرية و التأملية كعلوم الفلسفة و الاجتماع والادب و الفقه وغير ذلك من المجالات المعرفية  التي لا تحتاج كثيرا الى مثل تلك الامكانات المفقودة  والتي ابدع فيها بعض سلفنا، في الوقت الذي لم تظهر بعد فيه الجامعات الحديثة و لم تتوافر لهم بعض الامكانيات المتوافرة حاليا، بل  أن من الامور اللافتة للنظر ان الكثير من مقررات العلوم الانسانية لازالت تدرس بأسلوب تقليدي يقوم اساسا على شرح النظريات و الافكار و مناهج البحث و التحليل  الغربية و أن تضمنت نزرا يسيرا من النظريات و الافكار العربية او الاسلامية  فهي افكار و نظريات من تراثنا و ليس من ابداع جامعاتنا او خريجيها.

-  ضعف تصدي الجامعات لحملات التشويه الخارجية للثقافة العربية الاسلامية مع أن جزءا غير قليل  من هذا التشويه  يتجلى في كثير من الدراسات الاستشراقية  الصادرة عن جامعات اجنبية  او مؤسسات اكاديمية وثيقة الصلة بها. وبينما تخصص الجامعات الاجنبية برامج رئيسية لدراسة الثقافات العربية الاسلامية، لا نكاد نجد في جامعاتنا برامج مثيلة لدراسة الثقافات الاخرى، و لم يوجد حتى الان- مثلا- دراسات استغرابية تماثل الدراسات الاستشراقية.

-  في الوقت الذي ينمو فيه باضطراد تحدي العولمة للثقافات الاخرى، والتي نالت منها الثقافة العربية الاسلامية القسط الأكبر، لم نسمع بعد في جامعاتنا عن أي مشروع  اكاديمي  يستطلع الاثار المحتملة للعولمة على الثقافة العربية الاسلامية و يقترح المعالجات الثقافية المناسبة.

- على الرغم من الدور الريادي الفاعل للشباب الجامعي في إحداث ثورة التغيير، وهو ما أعاد الاعتبار للدور القيادي للجامعة، نجد ان القيادة الجامعية لازالت غير مواكبة لعملية التغيير الجارية حاليا،  إذ لازال الكثير من الجامعات تهيمن عليها نفس التوجهات السياسية التقليدية.       







رابعا: التوصيات والمقترحات:

- اعادة النظر في التشريعات التربوية الناظمة للتعليم الجامعي بما يضمن تضمين اهداف التعليم الجامعي القضايا المعنية بتفعيل دور الجامعات في نشر ثقافة التغيير، سواء في الاوساط الجامعية أو في المجتمع المحيط بهذه الجامعات. 

- الاعتماد على القيادة التحويلية القادرة على ادارة التغيير واخضاع عملية اختيار القيادات الجامعية  للعملية الدمقراطية التي تتم وفق معايير علمية موضوعية وبما يساعد على تنفيذ قانون التدوير الوظيف الذي أقرته الحكومة مؤخرا.

- تفويض السلطات لتمكين القيادات الإدارية من تحفيز العاملين والاهتمام بتكوين أطر إدارية تتخذ من القيادة التحويلية منهجاً لممارسة العمل مما يكون له مردود إيجابي في تحقيق مقومات المناخ التنظيمي الحافز لعملية التغيير.

- اعادة النظر في المتطلبات الجامعية التثقيفية من حيث تضمينها قضايا ثقافية حافزة للتغيير والتحديث، واستحداث مقررات ثقافية أخرى كمقرر أخلافيات المهنة .

- توفير مزيد من الحريات الاكاديمية في الجامعات وتحرير الحرم الجامعي  من هيمنة  القوى الامنية والضغوط السياسية والمجتمعية.

تفعيل دور النقابات والاتحادات والجمعيات العلمية فيما يتعلق بتناول قضايا ثقافة التغيير وبثها في الاوساط الجامعية.

تكريس المزيد من الاساليب الديمقراطية والحوارية بين العاملين الجامعات على مختلف مستوياتهم التنفيذية من جهة وبينهم وبين الطلبة من جهة اخرى.

- ربط الجامعات والكليات والمكتبات الجامعية بشبكة معلومات تعنى بقضايا ثقافة التغيير ومواكبة مطالب العصر وتحدياته ولاسيما في مجال تقنيات المعلومات.

-عقد ندوات ومؤتمرات علمية وتثقيفية حول قضايا التغيير ومطالب التحديث والتطوير واهمية دور المؤسسات التعليمية وخاصة الجامعات في نشر ثقافة التغيير.

- اجراء دراسات ميدانية حول واقع ثقافة التغيير في الجامعات اليمنية.

- اجراء دراسة مماثلة حول واقع ثقافة التغيير في مدارس التعليم العام ولاسيما المدارس الثانوية.

- اجراء دراسة مقارنة حول ثقافة التغيير في الجامعات اليمنية وبعض الجامعات العربية والاسلامية.

 

 

قائمة المراجع

1- ابو زيد، أحمد مصطفى، (1990) " التحدي الثقافي: من دور الجامعات في مواجهة التحديات المعاصرة" مجلة رسالة الخليج العربي، العدد (32) السنة العاشرة, مكتب التربية العربي لدول الخليج، الرياض، السعودية.

2- البكر، فوزية، (2005) " مدرستي صندوق مغلق" مكتبة الرشيد، الرياض، السعودية.

3- البنك الدولي، (2010) " الجمهورية اليمنية ، تقرير حول وضع التعليم: الفرص والتحديات" صنعاء، اليمن.

4- الجمهورية اليمنية, المجلس الأعلى للجامعات, قانون الجامعات اليمنية, رقم (23) لسنة 2000.

5- الجمهورية اليمنية, وزارة التعليم العالي والبحث العلمي,  "الاستراتيجية الوطنية لتطوير التعليم الجامعي (2006-2010)"

6- رضا، محمد جواد، (2005) " الثقافة الثالثة: الجامعات العربية وتحدي العبور من برزخ الثقافتين" في  كتاب التربية والتنوير في تنمية المجتمع العربي، مركز دراسات الوحدة العربية، بيروت، لبنان.

7- رضا , محمد جوار : (2006) ، "الإصلاح التربوي العربي: خارطة طريق" , بيروت، لبنان: مركز دراسات الوحدة.

8-الزهراني ، سعد عبدالله ( ١٩٩٥) : نماذج واستراتيجيات تخطيط التغيير وإدارته في مؤسسات التعليم العالي ، مركز البحوث التربوية والنفسية ، معهد البحوث العلمية وإحياء التراث الإسلامي ، جامعة أم القرى ، مكة المكرمة.

9-السبعي ، ـسعيد فايز .(2009)  إرادة التغيير تقتضي إدارة التغيير .

 


10- طالب، محمد طارش، (2011) " الدور الوظيفي المتوقع للجامعات اليمن في ظل متغيرات عصر العولمة" كلية التربية ، جامعة تعز اليمن.

11-العتيبي، تركي بن كديميس ، قيادة التغيير في الجامعات السعودية: أنموذج مقترح لدور رئيس القسم الأكاديمي كقائد للتغيير دراسة مقدمة لندوة القيادة ومسئولية الخدمة أمارة المنطقة الشرقية ٢٦ ربيع الأول ١٤٣٠ ه -جامعة الطائف، السعودية.

12-العلاف، إبراهيم خليل، "التعليم العالي في الوطن العربي": الواقع والتصورات المستقبلية"، مجلة بحوث مستقبلية ، تصدرها كلية الحدباء ، جامعة الموصل ، العدد (2) ، تموز /يوليو 2000،

13-عماد الدين ، منى مؤتمن ( ٢٠٠٤ ( قيادة التغيير في المؤسسات التربوية ، وزارة التربية والتعليم ، عمان ، الأردن.

14-عمر، محمد خالد، " ثقافة التغيير لا تغيير الثقافة"


15- الفهد, ياسر, (1997) " وداعا للتربية التقليدية "، دمشق، سوريا: مركز الأنوار.

16- المخلافي، محمد سرحان، (2004) " دليل تقويم مناهج جامعة صنعاء وتطويرها" ، جامعة صنعاء، اليمن.

17- مؤسسة المنصور الثقافية    http:llwww.mansoudialogue.org

18- المنظمة العربية للتربية والثقافة والعلوم (2004)" مشروع الاستراتيجية العربية لتطوير التعليم العالي", المنظمة، تونس.

19- ندا، عبد الرحمن أحمد وعبد المنعم الدسوقي الشحنة،  المدرسة الثانوية و تنمية قيم ثقافة التغيير" رؤية إسلامية " ،  المؤتمر العلمي السنوي السابع عشر للجمعية المصرية للتربية المقارنة و الإدارة التعليمية بالقاهرة بعنوان" التعليم في العالم الإسلامي، المؤتلف و المختلف" في الفترة من  31يناير- 1 فبراير 2009م

20- الهبوب، احمد غالب، (2011)، " معوقات استخدام نتائج البحث التربوي التطبيقي في صناعة القرار التربوي كما يراها القادة التربويون في اليمن" مجلة الباحث الجامعي، العدد (26) جامعة اب، اليمن.

21- الهبوب، احمد غالب، (2012) " دراسة تحليلية مقارنة الاهداف التعليم العالي في اليمن والاردن" مجلة اتحاد الجامعات العربية، العدد (59)، عمان الاردن.

22- وزارة التخطيط والتعاون الدولي، (2005) " تقرير التنمية البشرية" صنعاء، اليمن.

23- الوسمي ، فيصل سعد ( ٢٠٠٦ م) : درجة إسهام القادة التربويين في إدارة التغيير في المؤسسات التربوية في دولة الكويت ، رسالة ماجستير غير منشورة ، كلية الدراسات التربوية العليا ، جامعة عمان العربية للدراسات العليا ، عمان ، الأردن.

24-ويلسون، دافيد، ت تحية عمارة، (1999) " استراتيجيات التغيير: مفاهيم ومناظرات في ادارة التغيير" دار الفجر للنشر، القاهرة، مصر.

25- اليونسكو, (1997), " المؤتمر العالمي للتعليم العالي للقرن الحادي والعشرين, (الانترنت)

26- Holley, Karri A , (2009) Interdisciplinary Strategies as Transformative Change in Higher Education Published online: 18 August

# Springer Science + Business Media, LLC.

27- Nerland , Monika, Karen Jensen, and Teklu Bekele (2010) "Changing cultures of knowledge and learning in higher education: A literature review",  University of Oslo, Department of Educational Research

28- Tibbs, Hardin, (2011), " Changing Cultural Values & the Transition to Sustainability", University of Oxford, UK..

-29UNESCO, (2009) “ World Conference on Higher Education Opens with Call to Address Global Challenges”, Paris.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق