الأحد، 18 يناير 2015

دراسة تحليلية مقارنة لأهداف التعليم العالي في اليمن والأردن


                                      

 

دراسة تحليلية مقارنة لأهداف التعليم العالي في اليمن والأردن

 

د/ أحمد غالب الهبوب

أستاذ أصول التربية المشارك

كلية التربية – جامعة إب - اليمن

(2010)

(الملخص):

 

        هدفت الدراسة إلى تقويم واقع أهداف التعليم الجامعي في اليمن في ضوء أهداف التعليم العالي في الأردن. وذلك من خلال التعرف على مقومات فلسفة التعليم الجامعي وتحليل مضامين أهدافه وما يترتب عنها من وظائف واستخلاص أوجه التشابه والاختلاف بين أهداف التعليم العالي/الجامعي في البلدين.

          وقد خلصت الدراسة إلى جملة من الاستنتاجات حول واقع أهداف التعليم العالي والجامعي في القطرين, لعل  أهمها ما يأتي:

    -  إن مؤسسات التعليم العالي والجامعي في البلدين يعوزها الرؤية الفكرية الواضحة, وبالتالي فهي لازالت في طور البناء والترسيخ لهذه الأطر المرجعية, وان الأردن قد قطع شوطا متقدما في هذا السياق.

-    إن جهود إصلاح وتطوير التعليم العالي والجامعي في البلدين , ولاسيما في اليمن, لم تعط أولوية لعملية إصلاح المنطلقات الفكرية لهذا التعليم.

-    إن منظومة أهداف التعليم العالي في الأردن أكثر استيعابا  للمنهجية العلمية في عملية بنائها وأسلوب صياغتها, وإجراءات تنفيذها مقارنة بأهداف التعليم الجامعي في اليمن.

            وفي ضوء تلك الاستنتاجات, قدمت الدراسة عددا من التوصيات والمقترحات, أهمها:

-         إعادة النظر في أهداف التعليم الجامعي في ضوء تجربة الأردن في هذا المجال.

-         إجراء دراسات مقارنة مع تجارب أخرى في هذا المجال لمزيد من الإفادة في تطوير أهداف التعليم الجامعي في اليمن.

 


 

 An Analytical & Comparative Study of

The Goals of Higher Education in Yemen & Jordan:

 

 

 

(Abstract)

          The main objective of this study is to  evaluate the goals of higher education in Yemen on the light of Jordanian experience in this aspect, through analyzing and comparing the announced goals of higher education in both countries.

            The study came up with several findings and conclusions, such as:

-Higher education in both countries lack of the clear vision.

-The efforts of reforming higher education in both countries have not descended higher education objectives as the first priority in the educational reform process.

-The declared goals of higher education in Jordan have been developed  in their construction and forming according to scientific methods and criteria.

            On the light  of these inferences, the study ended up with several recommendations and suggestions that can help in reforming higher education goals in Yemen.

 

 


أولا: الإطار المنهجي للدراسة

 

(أ‌)  أهمية الدراسة:

          يشهد التعليم العالي جهودا تطويرية حثيثة في مختلف دول العالم، لاسيما في البلدان المتقدمة، وذلك لتمكين هذا التعليم من مواكبة مطالب التنمية ومواجهة مستجدات العصر وتحديات المستقبل(Blake, etal, 1997, P.52),  .(European Commission Report,2007, P.5)وتكاد تنطلق هذه الجهود الإصلاحية من مراجعة الأطر المرجعية الموجهة للتعليم العالي، بما تتضمنه من المبادئ والأهداف، وما تجسده من رؤية ورسالة، وما يترتب عنها من الوظائف والمهام المناط بهذا التعليمStephen,1974: P.5)). وتواكبا مع هذه الجهود الإصلاحية لمنظومة التعليم العالي، عقدت منظمة اليونسكو العديد من المؤتمرات العلمية العالمية التي أعطت أولوية قصوى لتطوير سياسات التعليم العالي وأهدافه, كان أبرزها المؤتمر العالمي للتعليم العالي في القرن الحادي والعشرين: الرؤى والعمل, في عام 1995م والمؤتمر العالمي حول التعليم العالي وتنمية الموارد البشرية للقرن الحادي والعشرين، عام ,1998(Unesco,1998,:P15) ، والمؤتمر العالمي حول التعليم العالي والتحديات العالمية، المنعقد عام 2009 (Unesco,2009,P.1). كما تناما عدد الفعاليات العالمية المكرسة لإصلاح التعليم العالي في العصر الراهن في كثير من دول العالم، لاسيما المتقدمة منها, وذلك  انطلاقا من إصلاح الأطر الفكرية الناظمة لهذا التعليم. بل أن جودة التعليم عامة، والتعليم العالي خاصة،  أصبحت اليوم محكومة بأطر مرجعية ذات سياق عالمي، تتمثل بمنظومة من المعايير والمواصفات التي تفرضها فلسفة الجودة الشاملة بمداخلها المختلفة.

       غير أن مؤسسات التعليم العالي والجامعي في البلدان العربية، وعلى الرغم من كونها أكثر معاناة من هذه المشكلات والتحديات، نجدها أقل حظا في جهود الإصلاح والتطوير. فالتعليم العالي في الوطن العربي، ما يزال يواجه مجموعة من المشكلات والتحديات, التي تأتي في مقدمتها غموض الرؤية الفكرية الناظمة لمسارات هذا التعليم (المنظمة العربية, إليكسو, 2004, ص72). ومع الاعتراف بأهمية جهود التطوير والإصلاح التي كرست لبعض جوانب التعليم العالي في البلدان العربية, وعلى تواضعها، غير أن هذه الجهود تجافي منطق عملية التطوير، الذي يقتضي بأن تبدأ هذه العملية، بإعادة النظر في الأطر المرجعية الموجهة لمسار هذا التعليم، لكونها تمثل المدخل الأساس ونقطة الانطلاق المنطقية نحو مراجعة باقي عناصر منظومة التعليم العالي . لذلك نجد أن معظم ما كرس من جهود تطويرية لهذا التعليم في البلدان العربية، إنما هي إصلاحات قد انصرفت مباشرة إلى واقع الممارسات قيل أن تبدأ بما يعانيه هذا التعليم من إشكاليات على مستوى التصور والأطر الفكرية  المرجعية, على الرغم من تواتر  التأكيد على أهمية هذا البعد المرجعي من قبل الكثير من الباحثين والمهتمين بقضايا التعليم العالي على المستوى القومي. حيث أكدت إستراتيجية تطوير التربية العربية ومن وقت مبكر على ضرورة إعطاء التعليم العالي أولوية قصوى في عملية الإصلاح المطلوبة للتعليم في الوطن العربي، وذلك انطلاقا من مراجعة جذرية للأهداف والسياسات الموجهة لهذا التعليم, ( إليكسو, 1979: ص 307). كما أوصت إستراتيجية تطوير التعليم العالي في الوطن العربي بضرورة انطلاق هذا التعليم من أهداف وسياسات جديدة، تتواكب مع المتغيرات الوطنية والإقليمية والدولية( إاليكسو, 2004, ص72).

        وتعرضت إستراتيجية تطوير التربية في البلدان الإسلامية لأولويات العمل التربوي في هذه البلدان مشيرة إلى ضرورة البدء من إعادة النظر في الأهداف التربوية لمختلف مستويات التعليم(المنظمة الإسلامية, إيسسكو, 1990, ص187).

       وأشار تقرير التنمية الإنسانية العربية ( 2003 ) إلى أن تدني نوعية التعليم العالي في البلدان العربية، يتأثر بعدة عوامل، يأتي في طليعتها غموض الرؤية الفكرية، وغياب السياسات الواضحة التي تحكم العملية التعليمية في هذه المؤسسات (التقرير: ص56 ).

       ونوه المؤتمر العاشر لوزراء التعليم العالي في الوطن العربي المنعقد في صنعاء , 2005 إلى أن التعليم العالي في عالمنا العربي، يواجه العديد من محاط الضعف القوية، على الرغم مما يبذل فيه من جهد إصلاحي، وأن أبرز تلك المحاط تتمثل في غياب الفلسفة الواضحة للتعليم العالي, (إليكسو, 2005: ص56) .

       وكان في مقدمة أولويات الإصلاح الاستراتيجي للتعليم العالي في البلدان العربية كما نادى بها التقرير الإقليمي لبرنامج الأمم المتحدة الإنمائي، ضرورة الانطلاق من مراجعة أهداف التعليم الجامعي ومدى ملاءمة مخرجاته لما أعلن من أهداف ومواصفات لهذا التعليم (التقرير الإقليمي، 2007، ص15).

       وسارت الجهود البحثية الأكاديمية في المسار نفسه، حث نجد الكثير من الباحثين يؤكدون أهمية الموجهات الفكرية لمؤسسات التعليم العالي، وضرورة إعادة النظر في هذه الأطر المرجعية، غير أن اللافت للانتباه في هذه الجهود، أنها قد أشارت على نحو عرضي، إلى هذه الإشكالية. فقد كرس معظم الجهود البحثية للخوض في مسائل فرعية، وقليل منها ما التفت إلى المسائل المتعلقة بفلسفة التعليم العالي وأهدافه, وان كان هذا الاهتمام قد جاء عرضيا في هذه الجهود. بمعنى آخر, أن معظم هذه الجهود البحثية الأكاديمية، لم تكن في الأساس مكرسة لقضايا الموجهات المرجعية للتعليم العالي, وإنما كرست لقضايا مرتبطة بعمليات التعليم الجامعي ومخرجاته, وقليل منها ما عني بالمسائل الفلسفية والأطر المرجعية لهذا التعليم. وانتهت هذه الجهود في مجملها إلى حتمية البدء في عملية الإصلاح من مراجعة الأطر المرجعية والمنطلقات الفكرية المحددة لاختيارات هذا التعليم والموجهة لمساراته. ولعل أبرز هذه الجهود الأكاديمية التي أكدت على ضرورة الاهتمام بقضايا فلسفة التعليم العالي/الجامعي وأهدافه في البلدان العربية, دراسات كل من:  (التل وآخرون, 1997,ص69 ), (الشريدة,1997, ص6),   (الصاوي, 2000,ص90), (السحباني,2001,ص30), (الحميد,2003,ص68), (حيدر, 2004, ص23), (فرجاني, 2005,ص 107), (عمار, 2006.ص143), ( مبيضين,2006, ًص1), ( مدكور, 2006 , ص30).

       وعلى المستوى القطري,  شغلت قضايا التعليم الجامعي بال الكثير من المهتمين في الساحة التربوية اليمنية, سواء على المستوى الرسمي, أو على المستوى الأكاديمي. حيث يجمع الكثير من الدراسات والأبحاث والفعاليات على ضرورة إصلاح وتطوير التعليم الجامعي في اليمن, غير أن الاختلاف ظل قائما حول الأولويات الرئيسة لعملية الإصلاح هذه, إذ نجد النزر اليسير من هذه الجهود هو ما كرس لتقصي القضايا المعنية بفلسفة التعليم الجامعي وأهدافه. ولعل أبرز هذه الجهود:

 المؤتمر الوطني الأول لتطوير التعليم الجامعي 1998,  ندوة التعليم العالي وسوق العمل 1999, الإستراتيجية الوطنية للتعليم العالي2006-2010, التقرير السنوي للمجلس الأعلى للتعليم لتخطيط التعليم: مؤشرات التعليم لعام 2006/2007 , ودراسات كل من: (الشيباني,2000,ص13), (ناجي,2000,ص168), (الاغبري, 2003,ص260), (الحاج, 2007, ص157).. وهذه الجهود وعلى أهميتها, نجد القليل منها ما كرس لقضايا أهداف التعليم الجامعي في اليمن, ناهيك عن أنها تفتقر إلى البعد التحليلي المقارن في تناولها لهذا الموضوع. ومن هنا تنبع أهمية هذه الدراسة. أما الحاجة إلى الدراسة فيمكن بلورتها على النحو الآتي:

-  إن الدراسة تأتي في وقت يشهد فيه التعليم العالي والجامعي في الدول العربية تحديات ضخمة تستوجب خضوعه للمراجعة والتقويم انطلاقا من أطره المرجعية.

-  تفيد الدراسة القائمين على جهود التعاون في مجال التعليم العالي والجامعي بين الأردن واليمن والتي توجت مؤخرا بإنشاء الجامعة اليمنية الأردنية.

-  تقدم الدراسة جهدا أكاديميا تستدعيه الندرة الملحوظة في الدراسات المقارنة المكرسة لفلسفة التعليم العالي/الجامعي في البلدان العربية إجمالا, وفي الأردن واليمن خاصة.

 

 

(ب)مشكلة الدراسة :

      على الرغم من التطور الحاصل في مجال التعليم العالي/الجامعي في اليمن, وتوفر البنية التشريعية الموجهة لهذا التعليم, بما يقترض أن يترتب عنها من السياسات والاستراتيجيات والخطط المنظمة لهذا التعليم،  وعلى الرغم أيضا من تنامي الجهود الرسمية لتطوير هذا التعليم، في ضوء بعض التجارب العالمية والعربية, والتي تأتي في طليعتها التجربة الأردنية، غير أن الممارسات الفعلية والحصاد النهائي لهذه الجهود التطويرية، تكشف عن أوجه قصور عديدة يعاني منها التعليم العالي في اليمن. لعل أبرز جوانب الإخفاق في هذا التعليم، تتمثل في ضعف كفايته الداخلية والخارجية. وقد انعكس ذلك في تنامي الأصوات الناقدة لواقع التعليم العالي، في السنوات الأخيرة، وخاصة من منظور الجودة. ولكن وعلى الرغم من إجماع الكثير من الباحثين والمهتمين حول وجود أزمة في التعليم العالي، إلا أن الاختلاف قائم حول تشخيص الأسباب الرئيسة لهذه الأزمة.

وعليه، فإن إشكالية هذه الدراسة تنطلق من اعتقاد مفاده أن أبرز أسباب الأزمة، التي يعاني منها التعليم العالي في اليمن، إنما تعود في الأساس إلى ضعف فاعلية الأطر المرجعية الموجهة لهذا التعليم، يؤكد ذلك ما خلص إليه بعض الأبحاث والدراسات من إشارات إلى وجود غموض في  المنطلقات الفكرية للتعليم الجامعي، ماثلة في غياب الرؤية والرسالة الموجهة لهذا التعليم. كما أن الباحث, ومن خلال خبرته في التعليم الجامعي والبحث العلمي، يشعر بوجود إشكالية في فلسفة التعليم الجامعي في بلده اليمن, ولاسيما في الأهداف العامة المعلنة لهذا التعليم, تتجلى بعض ملامح هذه المشكلة في وجود بعض نواحي القصور في الجوانب البنيوية والمنهجية لهذه الأطر المرجعية, والتي يمكن تطويرها في ضوء مقارنتها بتجربة الأردن في هذا المجال. وعليه، يمكن بلورة مشكلة الدراسة بالسؤال الآتي: ما واقع أهداف التعليم الجامعي في اليمن، وكيف يمكن تطويرها في ضوء تجربة الأردن وخبرته في هذا المجال ؟

 

 

 

 

 (ج) أهداف الدراسة:

         تستهدف الدراسة تطوير الأهداف العامة للتعليم العالي/الجامعي في اليمن، في ضوء مقارنتها بأهداف التعليم العالي في الأردن، وذلك من خلال:

-  استعراض الأطر الفلسفية لأهداف التعليم الجامعي، وتحليل العلاقة القائمة بين أبرز مقوماتها وأسس بنائها ومعايير صياغتها.

-  تحليل الأهداف المعلنة للتعليم العالي/الجامعي في كل من الأردن واليمن واستخلاص أوجه التشابه والاختلاف بين منظومتي الأهداف في القطرين. 

-  تقديم بعض التوصيات التي يمكن أن تساهم في تطوير أهداف التعليم الجامعي في اليمن في ضوء خبرة الأردن في هذا المجال.

 

(د) حدود الدراسة :

       تقتصر الدراسة الحالية على تحليل منظومتي الأهداف العامة للتعليم الجامعي في اليمن المعلنة في قانون الجامعات اليمنية رقم(32) لسنة 2000 ومقارنتها بأهداف التعليم العالي في الأردن كما وردت في قانون التعليم العالي المؤقت رقم(41) لسنة 2001.

 

 

 (ه) مصطلحات الدراسة :

-   التعليم العالي/الجامعي: لما كانت التسمية المتعلقة بهذا التعليم، تختلف نسبيا، بين البلدين, حيث نجد أن التشريعات الناظمة لهذا التعليم في الأردن تستخدم مصطلح "التعليم العالي", لتعني به جميع المؤسسات التي تقدم تعليما بعد التعليم الثانوي، في حين أن التشريع الصادر في اليمن يتمحور حول مصطلح التعليم الجامعي, حيث جاء التشريع موسوما بـ " قانون الجامعات اليمنية", لذلك اضطر الباحث لأن يستخدم المصطلحين معا: التعليم العالي/الجامعي.


 

-  أهداف التعليم العالي/الجامعي: هي الأهداف العامة المعلنة في الأطر القانونية للتعليم العالي /الجامعي في كل من الأردن واليمن، والمجسدة لفلسفة هذا التعليم، والمعبرة عن رؤيته ورسالته.

-  وظائف الجامعة: هي الأبعاد الرئيسة التي توصف مهام التعليم الجامعي، المترجمة لفلسفته وأهدافه، على مستوى الممارسات. وهذه الوظائف المعروفة تقليديا للجامعة، تتمثل بأبعاد ثلاثة هي: التدريس والبحث العلمي وخدمة المجتمع.

 

 

(و)  منهجية الدراسة:

        كدراسة نوعية، تعتمد الدراسة الحالية، المنهج الوصفي، بأسلوبه التحليلي الوثائقي المقارن، الذي يعنى بالتحليل المقارن بين الموجهات الفكرية لنظامين تعليميين في بلدين مختلفين، لغرض الاستفادة من الإجراءات المتبعة في أحدهما، لمعالجة المشكلات التعليمية في البلد الآخر, (Reginald, etal,1973 P.97). وفي ضوء ذلك المنهج، تم التحليل و المقارنة المرجعية بين الأهداف العامة للتعليم العالي الجامعي في كل من الأردن واليمن, والتي اتبعت المسارات المتكاملة الآتية:

المسار الأول: ويتمثل بعرض الإطار المنهجي العام المحدد لمعالم الدراسة, كما سبق عرضه.

المسار الثاني: وفيه استعراض تحليلي للأطر الفلسفية لأهداف التعليم الجامعي بمحدداتها الرئيسية، وما تجسده من رؤية ورسالة، تحدد اختيارات هذا التعليم وتوجه مساراته التنفيذية عبر الوظائف المعروفة للجامعة.

المسار الثالث: ويتضمن عرضاً تحليلياً مقارنا لأهداف التعليم العالي/الجامعي، كما وردت في التشريعات التربوية للدولتين، في ضوء علاقتها برؤية الجامعة ورسالتها، والوظائف المناط بها, وذلك وفقا للمعايير المعتمدة في أدبيات الفكر التربوي الحديث لمعايرة هذه الأطر المرجعية.

المسار الرابع: ويتمثل باستخلاص جملة من الاستنتاجات التي تلخص أوجه التشابه والاختلاف بين المنظومتين, وتسوغ التوصل إلى بعض التوصيات، التي من شأنها الإسهام في جهود تطوير الموجهات الفكرية للتعليم العالي في اليمن، في ضوء تجربة الأردن وخبرته في هذا المجال.

 

 

 

 

ثانيا: الخلفية النظرية

 

|- أهداف التعليم العالي/الجامعي: المقومات الفلسفية:

 

        شهد الفكر الفلسفي عبر مساره التاريخي ظهور العديد من الاتجاهات الفلسفية، التي أفرزت بدورها فلسفات تربوية متعددة تختلف باختلاف خلفياتها الفكرية وبيئاتها المجتمعية، وبني على أساس كل فلسفة تربوية، نظام تربوي معين يستمد مبادئه وأهدافه من تلك الفلسفة التربوية، وفي ضوء فلسفة المجتمع  وتحديات العصر الذي يعيش فيه, (ناجي, 2000: ص 23 ). وتتمثل الفلسفة التربوية بكافة الموجهات المرجعية الحاكمة لأي نظام تربوي، والتي يأتي في طليعتها المبادئ والأهداف التربوية العامة ( السحباني, 2001: ص 82 ). وينسحب هذا الطرح على فلسفة التعليم العالي، باعتبارها بعدا من أبعاد الفلسفة التربوية العامة.

        وعليه، تتحدد المعالم العامة لفلسفة التعليم العالي، في ضوء الفلسفة التربوية للنظام التربوي أجمالا, المستمدة بدورها من فلسفة المجتمع. و فلسفة التعليم العالي، تمثل القاعدة الفكرية الأساسية التي يقوم عليها هذا التعليم،  ويعمل في إطارها. فهي التي تحدد مبادئه وأهدافه، وتتبلور في ضوئها رؤية التعليم العالي ورسالته، وتوصف طبيعة العلاقة القائمة بين هذه الأطر المرجعية، وما يترتب عنها من الوظائف والمهام. بمعنى آخر, إن فلسفة التعليم العالي/الجامعي، هي التي تحدد معالم رؤية التعليم الجامعي وطبيعة رسالته, وعلى ضوئها ترسم سياسات هذا التعليم وتعد استراتيجياته وخططه وبرامجه ( التل وآخرون, 1997: ص96).

 

أ‌)      الأهداف العامة للتعليم العالي/الجامعي:

تمثل الأهداف التربوية الترجمة العلمية والعملية للفلسفة التربوية السائدة في المجتمع،
إذ بواسطتها تتحول مجموعة الغايات والتصورات والقيم والمهارات والآمال والتطلعات التي ينشدها المجتمع إلى مصفوفة من الأهداف المحددة، ليسعى القائمون على النظام التربوي إلى تحقيقها، وتجسيدها في حياة المتعلمين. ذلك أن وضع قائمة بالأهداف، لأي نظام تربوي أو مؤسسة تعليمية، لا يمثل فلسفة تربوية لتلك المؤسسة, ما لم يكن لهذه الأهداف أساس فلسفي واضح تستند إليه، في بلورة رؤية المؤسسة ورسالتها ضمن واقع مجتمعي تتحقق فيه. فبدون هذه الأسانيد المرجعية، تصبح الأهداف مجموعة عشوائية متناثرة من المعارف والقيم والاتجاهات والمهارات، لا تعكس ملامح الشخصية المرغوبة اجتماعياً والمعدة تربوياَ ( وطفة, 2005: ص 121) .

       وقد تمخضت المنهجيات العلمية المتبعة في بناء الأهداف وصياغتها، بتحديد الخصائص التي يجب توافرها في الأهداف، لتؤلف منظومة من المعايير اللازمة لتقويمها، والتحقق من صلاحيتها، بما يكفل لها الفاعلية والتأثير في سير العملية التربوية. ولعل أبرز المعايير المعتمدة في عملية بناء الأهداف، ما يلي: الشمول، التكامل, التوازن، الأولوية, الخصوصية، الملاءمة، المرونة,الواقعية.. الخ،  أما معايير الصياغة اللغوية للأهداف, فلعل أهمها: الدقة, والوضوح, والاتساق, والتسلسل, والإجرائية..الخ، .(Brubaher,1979:P. 55),(الهبوب, 2004: ص194).

      لذلك، تحظى الأهداف بأهمية بالغة في العمل التربوي عامة، غير أن أهميتها تتعاظم على مستوى التعليم العالي/ الجامعي. ففي ضوئها تتحدد معالم رؤية الجامعة وطبيعة رسالتها, كما تمثل نقطة البداية في بلورة وظائف الجامعة و توجيه وتنظيم مسارات العمل الجامعي, كما أنها تمثل مؤشرات ومحكات رئيسة لمعايرة إنجازات الجامعة و إخفاقاتها (قمبر, 2006: ص 48) . وقد تواتر في الأدب التربوي الحديث والمعاصر مصفوفة من الأهداف والوظائف المكونة لفلسفة التعليم الجامعي بعد مسيرة إثراء وتطوير، تراكمت عبر المسار التاريخي لنشأة الجامعة. وشهدت تلك المصفوفة، خلال هذا المسار، معارك فكرية، وجهود تطويرية، انعكست على طبيعة الرؤية والرسالة، التي تتبناها الجامعة في سياق اجتماعي معين. وارتبطت نوعية تلك الجهود الإصلاحية لفلسفة التعليم الجامعي، بخصوصية المجتمع الذي تنتمي إليه، ومنزلته الحضارية، وتحدياته العصرية، بل أنها ارتبطت بخصوصية كل جامعة على حده، وخصوصية اللحظة التاريخية التي تمر بها، ماثلة في وضوح رؤية الجامعة وطبيعة رسالتها ( الحاج, 2007: ص 117)(Thorens, 1996:P.27), . ولكن, مهما اختلفت منظومات أهداف التعليم الجامعي وتعددت وظائفه، سواء ضاقت أو اتسعت, أجملت أو فصلت.. فهناك إطار عام مشترك بين هذه المنظومات الهدفية، نابع من طبيعة التعليم الجامعي وأبعاده وأدواره.

        وعليه، فإن تطور التعليم الجامعي وتنامي وظائف الجامعة، من وظيفة واحدة، إلى ثلاث وظائف، قد تبلور في ضوء اتساع قاعدة الأهداف، التي يسعى التعليم الجامعي إلى تحقيقها من خلال هذه الوظائف، وان كانت الأهداف المتعلقة بتحقيق وظيفة التعليم الجامعي، تشكل البعد الأول والأساس الذي من أجله نشأت الجامعة. فإذا كانت وظائف الجامعة تمثل الأبعاد الرئيسة لمهام الجامعة, التي تعارفت تقليدياً عليها سائر الجامعات، فأن الأهداف تمثل الأطر المرجعية المحددة لمهام التعليم الجامعي والموجهة لمساراته، في سياق هذه الوظائف على نحو أكثر تحديد، وبما يجسد رؤية الجامعة ورسالتها.

 

إجراءات تنفيذ الأهداف:

       تستلزم عملية التعامل بمنظومة الأهداف الكثير من الإجراءات. فالأهداف التربوية العامة، بعد تصورها على المستوى الفلسفي، تظل بحاجة إلى السعي نحو تحقيقها، بجهود متنوعة ومتواصلة ومنظمة وفق منهجية تكفل لها التتابع والانسجام والتسلسل، في مستوياتها المتتابعة, وإلا ظلت الأهداف، عبارات مسطورة في الوثائق، كشعارات، أكثر منها مسارات في واقع الممارسات (الهبوب, 2004: ص197).

       فالأهداف العامة للتعليم الجامعي، بعد تصورها على المستوى التشريعي،  باعتبارها ابرز الصيغ  المرجعية المعبرة عن رؤية التعليم الجامعي، والمجسدة لرسالته, تظل بحاجة إلى ترجمة إجرائية، تنقلها إلى مستوياتها التنفيذية المتتابعة، وفق منهجية علمية، تكفل لها التسلسل المنطقي والتأثير الفاعل في واقع الممارسات. وعليه، تتمثل إجراءات تنفيذ الأهداف، في العمل على  ترجمتها إلى مستوياتها المختلفة، وفي نشرها بلوائح مستقلة، وتدريب كافة العاملين في التعليم الجامعي، على آليات تنفيذها، ليزداد وعيهم بها، ويسعون جاهدين لتحقيقها.

لذلك، تبدأ ترجمة الأهداف العامة للتعليم الجامعي إلى سياسات واستراتيجيات، ثم إلى خطط وبرامج .. الخ،  سواء على مستوى التعليم الجامعي عموماً، على المستوى الوطني، أو على مستوى كل جامعة على حده ، فعلى المستوى الوطني, غالباً ما تتبلور الأهداف العامة للتعليم الجامعي فيما يعرف برؤية هذا التعليم ورسالته, لتترجم بعد ذلك إلى إستراتيجية وطنية، تحدد أولويات اختيارات التعليم الجامعي وتوجه مساراته العامة، بما يتساوق مع الاستراتيجيات التنموية في القطاعات الأخرى، وكذا مع السياسة العامة للدولة.

أما على مستوى الجامعة، فتتحدد الرؤية والرسالة لكل جامعة، في ضوء الفلسفة العامة للتعليم العالي/ الجامعي، المجسدة بجملة من الأهداف العامة المعلنة على المستوى القومي, مع مراعاة خصوصية كل جامعة ضمن بيئتها المجتمعية المحلية. فرؤية الجامعة University Vision  تنبثق من هذه الموجهات العامة، وفي إطار خصوصية الجامعة وتفردها. حيث تعبر الرؤية عن الصورة الذهنية التي ترغب الجامعة في إسقاطها على أذهان المنتسبين إليها. بمعنى آخر, تمثل الرؤية، الحالة المثالية التي تنشدها الجامعة، والتي تبرر وجودها. وعليه فإن تحديد رؤية الجامعة، يتم في ضوء استشعار الاحتياجات المستقبلية للبيئة الاجتماعية المحيطة، وعلى هدي الفلسفة العامة للتعليم الجامعي. فالرؤية تمثل إجابة عن: إلى أين الجامعة ذاهبة، وفي أي إطار تتحرك ؟ وكيف للجامعة أن تبلغ الأهداف المرسومة لها ؟ ( المخلافي, 2005: ص 29 ) .

ولما كانت الرؤية هي التي تحدد معالم المستقبل لمخرجات الجامعة، بما يحقق الأهداف العامة للتعليم الجامعي، فإن تنفيذ هذه الرؤية المستقبلية تستلزم تخطيطاَ استراتيجياَ يقوم على سيناريوهات
 ( بدائل مقترحه للحل ) تساعد الجامعة في تقرير ما يمكن أن تكون عليه مخرجاتها في المستقبل في ضوء التغيرات المحلية والعالمية.

أما رسالة الجامعة ( University Mission) فتمثل مستوى أكثر إجرائية تتجسد فيه ترجمة فلسفة الجامعة وأهدافها العامة، الماثلة في رؤيتها، إلى جملة من الوظائف والمهام في ضوء الإمكانات المتاحة. فإذا كانت الرؤية تعكس الفلسفة العامة مستوعبة خصوصية الجامعة، بما يجعلها نموذجاً تسعى الجامعة إلى تحقيقه في المستقبل، فإن رسالة الجامعة توصف الوضع الراهن، بموارده الحالية، لتترجم تلك الرؤية المستقبلية، أو ذلك النموذج المثالي المستقبلي إلى مستوى أكثر إجرائية ووضوحاَ وملاءمة للواقع المعاش، في إطار الإمكانات والموارد المتاحة للجامعة, ( المخلافي, 2005: ص 32).

بمعنى آخر, أن الرسالة تمثل مرحلة أكثر إجرائية وواقعية، تتحدد فيها الآليات والأساليب المناسبة لتحقيق مضامين الرؤية، وما ورائها من أهداف عريضة وطموحة، لتنقلها من المستوى الاستراتيجي إلى مستوى الخطط والبرامج في واقع الممارسات الميدانية. وهنا في مستوى رسالة الجامعة، تتحدد بوضوح وظائف الجامعة أو مهامها الرئيسية المعروفة: التدريس والبحث العلمي وخدمة المجتمع، وهي مكونات ذات علاقة متبادلة، يصعب الفصل بينها. باختصار إذا كانت الرؤية معنية بإعادة صياغة الأهداف العامة للتعليم الجامعي، لتمثل نموذجا مثاليا تسعى الجامعة إلى تحقيقه مستقبلا، بما يعكس خصوصيتها وطموحات مجتمعها, فإن الرسالة تعنى بتحديد الوظائف والمهام اللازمة لتحقيق ذلك النموذج في واقع الممارسات الراهنة، ووفقا للإمكانات المتاحة، وبما يبرز خصوصية الجامعة, ((Pearce,1987: p109.

ولتوخي مزيد من الدقة والوضوح في الأهداف العامة للتعاليم العالي، ولتحقيق الترابط والتوازن بينها وتسهيل الاستفادة منها، والسعي نحو تطبيقها، وضعت تصنيفات أكثر إجرائية لهذه الأهداف, حيث يتم تصنيفها أو ترجمتها هرميا في إطار الجامعة إلى مستويات أربعة متكاملة ومتسلسلة، تنطلق من أكثرها عمومية، لتصل إلى أكثرها إجرائية، في واقع الممارسات التربوية، وذلك على النحو الآتي:

ـ مستوى أهداف الجامعة, وفي ضوئها تتبلور معالم رؤية  الجامعة، وتتحدد طبيعة رسالتها, بما  يعكس خصوصية كل جامعة، ويراعي إمكاناتها المتاحة ويتواكب مع التحديات التي تواجهها. والأهداف، هنا قد تتبلور على هيئة خطط إستراتيجية توجه اختيارات  الجامعة وتحدد أولويات مهامها.

 ـ مستوى أهداف الكلية: وفي هذا المستوى، تتبلور معالم رؤية الكلية وتتحدد طبيعة رسالتها، بما يمكنها من توجيه جهود القائمين عليها والمنتسبين إليها نحو تحقيق الأهداف المناطة بها.

ـ  مستوى أهداف البرنامج التخصصي. وهي أهداف أكثر تحديد، تتجلى فيها خصوصية كل برنامج دراسي معين وفقا لمدى زمني أكثر تحديد.

 ـ مستوى الأهداف التدريسية, وهنا تتجلى تكنولوجيا الأهداف, كما صممها بلوم وزملاؤه, للاستفادة في ترجمة الأهداف السابقة، إلى مستويات أكثر إجرائية، لتوجه مسارات العمل التدريسي، ضمن الجهود والممارسات اليومية، على مستوى المساقات الدراسية (التل, 1997: ص192-136).

       كما قد تصنف أهداف التعليم الجامعي على المستوى الأفقي، وفقا للوظائف المعروفة تقليديا للجامعة, كأن تصنف إلى أهداف متعلقة بوظيفة التدريس، وأهداف مرتبطة بوظيفة البحث العلمي, وأهداف خاصة بوظيفة خدمة المجتمع. وهذا التصنيف الأخير, يكاد يكون التصنيف الأكثر حضورا في منظومات أهداف التعليم الجامعي في كثير من دول العالم بما فيها الدول العربية.

 

ب‌)وظائف الجامعة:

       ارتبطت الوظائف بالمؤسسات التربوية والتعليمية منذ القدم ارتباطاً عضويا،ً لأنها كانت تنبع بشكل تلقائي من طبيعة عملها ووجودها. إذ لم يصنع شيء، إلا بعد تصور أولي لصيغته الوظيفية، ولم تقم مؤسسة، إلا بناء على وظائف أو مهام عرفت لها سلفا.ً ولم يكن الهدف والوظيفة، إلا شيئاً واحدا يعني الماهية أو الوجود , أما عن الأهداف كموجهات مرجعية، محددة ومعلنة رسميا ضمن الأطر التشريعية والقانونية، لتوصيف هذه الوظائف والخروج بها من الضمني إلى المعلن ومن العموم والشيوع إلى التخصيص والإجرائية، فإن ذلك، قد مثل تجديدا تربويا أحدث نقلة نوعية في مسار العملية التربوية, (الفرحان, 1994: ص6). وإذا كانت مؤسسات التعليم العام قد تحررت نسبياً من حاكمية الوظائف، لتستند إلى مرجعية الأهداف، فإن مؤسسات التعليم الجامعي ما زال يفهم دورها، وتحدد مساراتها في ضوء هذه الوظائف المعروفة تقليديا للجامعة، وبالتالي، ما زال هذا الاتجاه التقليدي، هو الأكثر حضوراً في أذهان القائمين على التعليم الجامعي، لاسيما عند صياغة رؤية الجامعة وتحديد رسالتها. إذ أن معايرة التعليم الجامعي وفقاً لهذا التوجه, إنما تستند إلى حاكمية الوظائف أكثر من استنادها إلى مرجعية الأهداف، على الرغم من الحرص الشديد على إعلان أهداف محددة للتعليم الجامعي عبر الأطر القانونية المنظمة لهذا التعليم. فقد أخذت الجامعة أشكالا مختلفة، عبر مسار نشأتها، انعكست على تطور أهدافها وتنوع وظائفها. حيث اقتصرت وظيفة الجامعة عند نشأتها في العصور الوسطى، على محض التدريس, وبالتالي، كان هدفها الرئيسي، في إطار هذه الوظيفة، نقل المعرفة المتقدمة والمتخصصة بمفهوم ذلك العصر( مرسي, 2002: ص23). ومع تقدم المعرفة، وتعمقها الناتج عن البحث العلمي, اقتضت الضرورة استحداث برامج تعليمية مهنية متخصصة، وبالتالي لم تعد وظيفة الجامعة تقتصر على مجرد الإعداد الأكاديمي، بل استهدفت أيضا إعداد الاختصاصين في مختلف المجالات العلمية. غير أن البحث العلمي لم يصبح وظيفة رئيسية من وظائف الجامعة، إلا في القرن التاسع عشر، عندما بدأت الجامعة تدرك أن وظيفتها لا تنحصر في التعليم و إعداد الكوادر المتخصصة، و إنما تشمل أيضا، اكتشاف المعرفة وتطويرها، وأصبح ينظر إلى هذه الوظيفة البحثية على أنها وظيفة مكملة لوظيفة التعليم (مدكور, 3006: ص26).

       ولقد عمل البحث العلمي على تعزيز مكانة الجامعة وتفعيل ودورها في المجتمع. إذ أن اقتران البحث العلمي بتطوير المجتمع وخدمته، قد وضع على عاتق الجامعة وظيفة جديدة، ولم يعد بمقدور الجامعة المعاصرة أن تعزل نفسها عن المجتمع ( التل, 1997: ص110).
       وبعبارة وجيزة، يمكن القول أنه فضلاً عن الوظيفة التقليدية للجامعة، التي اقتصرت على مجرد التدريس ونقل المعرفة، فان وظائفها قد تطورت بالتدريج، لتشمل البحث العلمي، وسيلة لإنتاج المعرفة وتطويرها, وخدمة المجتمع، عبر توظيف المعرفة في مجالات التنمية المختلفة. وهي وظائف متكاملة ومتداخلة, تؤديها الجامعة, كانعكاس لأهدافها، وترجمة لرؤيتها ورسالتها, وذلك من خلال كلياتها ومعاهدها المتنوعة، ومراكزها المتخصصة، ومرافقها المختلفة. ذلك أن نقل المعرفة، عبر التدريس، يقتضي التعمق فيها، عبر البحث العلمي. كما أن منظومة هذه الوظائف، تتراتب في أولويات تحكمها رؤية الجامعة ورسالتها، بما يجعلها تعكس خصوصية كل جامعة، وتمكنها من تلبية متطلبات التنمية في مجتمعها ومواكبة المستجدات التي يفرضها العصر الذي تعيش فيه. فعلى سبيل المثال, نجد أن الأداء الأكاديمي لعضو هيئة التدريس، في الجامعات الغربية، لاسيما الأمريكية، يقوم ويعاير في ضوء النشاط البحثي، أكثر منه في ضوء الأداء التدريسي. ومع ذلك، مازالت وظيفة التدريس في كثير من الجامعات التقليدية، تستحوذ على معظم الجهود المبذولة والإمكانات المتاحة، بحيث لا تكاد تترك للوظائف الأخرى شيئا ذا أهمية، لاسيما في جامعات البلدان النامية, والعربية على وجه الخصوص.

          وفي الوقت الذي نجد فيه من المفكرين والباحثين من ينادي باتساع قاعدة المهام والوظائف المناطة بالجامعة، لتتجاوز هذه الوظائف التقليدية الثلاث, نجد بعض الباحثين، يؤكدون بان الأداء الفعلي للجامعة، يتبلور عمليا في وظيفتين فقط: هما التدريس والبحث العلمي, أما الوظيفة الثالثة، والتي عرفت بخدمة المجتمع، فما هي إلا تحصيل حاصل. ذلك أن ما تقوم به الجامعة، عبر وظيفة التدريس، من نقل المعرفة وتنمية مهارات الطلبة، لغرض إعداد الكوادر المتخصصة, وما تقوم به أيضا، عبر الوظيفة الثانية، ممثلة بالبحث العلمي، لتوظيف المعرفة، ما هو إلا خدمة للمجتمع، وبالتالي, فان الوظيفة المعنية بخدمة المجتمع, تمثل المحصلة النهائية لهاتين الوظيفتين. 

 

 ||. اتجاهات تطوير أهداف التعليم الجامعي:

       لقد اقتصر دور الجامعة، منذ نشأتها في العصور الوسطى، على مجرد التدريس، ونقل المعرفة، ثم تنوعت وظائف الجامعة، وخاصة منذ القرن التاسع عشر, لتشمل إنتاج المعرفة، من خلال وظيفة البحث العلمي (Hayhoe,1997:p.744) . وشهدت الجامعات الغربية في القرن العشرين، حركات مجتمعية كبرى، للمطالبة بتفعيل دورها في خدمة المجتمع، أدت إلى استحداث تخصصات علمية تحكمها معايير ومقاييس ذات طابع مهني، يختلف عن الأقسام والتخصصات الأكاديمية التقليدية. وبذلك بدأت الجامعات تشهد تغييرات جذرية في أطرها الفكرية، وبناها التنظيمية. ويعزو بعض المفكرين عملية التحول التي شهدتها الجامعات الغربية في العصر الحديث، بأنها حدثت نتيجة لتحولات كبرى شهدتها المجتمعات الغربية الحديثة أهمها: حركة التنوير وحركات الإصلاح الديني والثورات السياسية والثورة الصناعية وظهور الرأسمالية وتنامي الأفكار الاشتراكية والثورة العلمية والتكنولوجية(Lucas,1994:p.745). وعليه, فقد تبلور في العصر الحديث اتجاهان متباينان في النظرة إلى طبيعة الموجهات الفكرية والأطر المرجعية المحددة لرؤية الجامعة والموجهة لرسالتها:

الاتجاه الأول: وهو الاتجاه الأكاديمي ( Academic Approach ) وهو اتجاه قديم قدم الجامعة نفسها, ينطلق من فكرة  أن الجامعة مؤسسة علمية، هدفها الأول والأساس، يتمثل بإنتاج المعرفة ونشرها والحفاظ على النظام القيمي للمجتمع، بصرف النظر عن الاعتبارات العملية والمهنية المرتبطة بمتطلبات التنمية واحتياجات سوق العمل. باختصار، أن هذا التيار يريد الحفاظ على الدور التقليدي للجامعة، الذي يرى أن طلب المعرفة في ذاتها ولذاتها، يمثل الهدف الخالص للتعليم الجامعي. وقد ظل هذا التيار، ولعدة قرون، مهيمنا على توجهات التعليم العالي، ليواجه خلال العقود الأخيرة، انتقادات كثيرة، ازدادت حدتها في العصر الراهن, بذريعة  أن هذا المسار، قد أدى إلى جمود التعليم العالي، وعزل الجامعة عن مجتمعها وعن الأحداث الجارية خارج أسوارها، لتصبح مجرد برج عاجي، تنحصر رؤيتها، وتقتصر وظيفتها، على مجرد نقل المعرفة النظرية (Liberal Arts) لفئة نخبوية في المجتمع، والتركيز على إجراء البحوث الأساسية, (Hayhoe,1997: P. 12 – 24  ) .

الاتجاه الثاني : ويتمثل بالاتجاه المهني ( Professional Approach ) وهو اتجاه حديث نسبيا،  يقوم على فكرة أن الجامعة وجدت أصلا  لخدمة المجتمع، ولا يعني ذلك خدمة المجتمع معرفياً، عبر التأثير الثقافي التنويري، وإنما بإعداد الكوادر المتخصصة، لتلبية احتياجات التنمية الاقتصادية الصرفة، باعتبار أن التعليم الجامعي، نوع من أنواع الاستثمار. وعليه، فإن هذا التيار، يختزل مفهوم التنمية ببعدها المادي، وبالتالي يسعى إلى قولبة وظائف الجامعة بالوظيفة الاقتصادية، وينظر إلى العلاقة بين الجامعة والمجتمع، على أنها تتمثل في حل مشكلاته الاقتصادية الصرفة، باعتبار أن الجامعة أداة الاستطلاع التنموي في المجتمع.  وقد ازداد هذا التيار تطرفا في زمن العولمة, حيث زاد ارتباط الجامعات الغربية، وفي طليعتها الجامعات الأمريكية، بسوق العمل ومطالب التنمية الاقتصادية. إذ أقدمت هذه الجامعات في الآونة الأخيرة على مزيد من التغييرات الجذرية في أطرها الفكرية وبناها التنظيمية، لتزداد ميلاً نحو مرجعية السوق، بعد أن ارتبطت، ولما يقارب القرن من الزمن، بسياق تنموي مجتمعي متكامل ( اجتماعي – اقتصادي – سياسي – ثقافي), ( فرجاني, 2005: ص 109 ) ليعمم هذا النموذج الغربي/الامريكي من التعليم الجامعي على باق جامعات العالم. فقد صارت مؤسسات التعليم العالي اليوم، في مختلف أنحاء العالم، محكومة بمداخل نظرية الجودة الشاملة، عبر مصفوفة من المعايير والمقاييس والمواصفات ذات الطبيعة الاقتصادية الصرفة، التي يراد لها أن تمثل مرجعية عالمية تحاكم منظومة التعليم العالي، في ضوء مرجعية سوق العمل، بصرف النظر عن الخصوصية الثقافية والمنزلة الحضارية لبعض الجامعات، لاسيما الجامعات العربية.   

لذلك، يخضع هذا التيار, أيضا، لانتقادات لاذعة، بحجة توجهه المفرط في إلحاق مرجعيات الجامعة بالمرجعيات الاقتصادية الناظمة لحركة سوق العمل، وفق معايير و مقتضيات قوانين العرض والطلب.  تجلى ذلك بتنامي الآراء الناقدة لعملية تحكم مقاييس السوق، ( حوافز الربح ) في تحديد اختيارات الجامعة وتوجيه مساراتها، عبر إعادة ترتيب هياكلها ووظائفها وأدوارها وفقا لمعايير ومواصفات سوق العمل, وما ترتب عن ذلك من فقدان هذه المؤسسة لكثير من ملامح خصوصيتها المجتمعية، ومقومات استقلالها الفكري، بل أن هذا التوجه، قد أفقد الجامعة طابعها المميز كمؤسسة علمية تنويرية قيادية. فقد حلت معايير الكفاءة، بمؤشراتها المالية ومواصفاتها الربحية، محل مرجعية المعرفة، ذات الطبيعة الهدفية والمبادئ الأخلاقية، وصعد الإداريون في مواجهة الأكاديميين، وتدهور البحث الأساسي، حيث لا يترتب عليه هامش ربح مباشر للصناعة والاقتصاد، مقارنة بالبحث العلمي التطبيقي. حتى أن الجامعة في الغرب تنعت اليوم بأنها في خراب (The University in Ruins), على حد تعبير (Readings) , حيث يرى أن هناك انحساراً واضحاً في المهمة الثقافية التنويرية التي أولتها الدولة - الأمة وشكلت مبرر وجود الجامعة ( فرجاني, 2005: ص 108 ).  بمعنى آخر, هناك من يرى أن مؤسسات التعليم العالي الجديدة تتخلى اليوم عن وظيفتها الثقافية ورسالتها التنويرية و دورها الريادي، باعتباره يمثل المشروع التاريخي للتنمية الإنسانية منذ عصر التنوير، لتختزل مرجعياتها الفكرية الأساسية باستيعاب ثقافة السوق ومرجعية الربح المادي السريع.

إن عملية التحول هذه، والمتمثلة بالتوجه المرجعي نحو مهننة الجامعة، وتسليع مخرجاتها، لا تشير إلى عملية تحول في التخصصات العلمية، والمناهج والأساليب التدريسية فيها، فحسب، وإنما تشير إلى عملية تحول تاريخي في فلسفة الجامعة,  بل في هويتها الثقافية ورسالتها الحضارية. إنها عملية تحول مصيرية، أفقدت الجامعة استقلالها الأكاديمي لصالح قوى خارجية فرضت عليها أدواراً جديدة، وأسبغت عليها هوية غريبة، أسهمت إلى حد كبير في تفاقم أزمتها المعاصرة (Hayhoe, 1997: P.277 ).

  لذلك برزت اتجاهات إصلاحية تستدرك مخاطر هذه الانزلاقات في اختيارات الجامعة وفي طبيعة مساراتها. فالجامعات الغربية، بما فيها الجامعات الأمريكية، التي تعد الأكثر خضوعاً لهيمنة الاتجاه المهني، نجدها اليوم تبذل جهودا إصلاحية حثيثة تستهدف إعطاء التخصصات الإنسانية مكانة مرموقة في برامجها التدريسية, وإن ظلت الأولوية في هذه الجهود الإصلاحية للتخصصات ذات الطبية المهنية.

 

|||. أهداف التعليم العالي/الجامعي في البلدان العربية:

لا شك أن ذلك التحول في فلسفة الجامعات الغربية قد أحدث تبعات مهمة على توجهات التعليم العالي و الجامعي وأهدافه في البلدان العربية، كغيرها من البلدان النامية, خاصة وأن هذه البلدان تقع في عداد المتلقين السلبيين لتأثيرات الفكر الغربي، لاسيما في زمن العولمة، وهذه التبعات مثلت إشكالية في تكيف الجامعة مع سياقها التاريخي بصيغتها المجتمعية العربية. فإذا كانت الشكوى في الغرب، قائمة على أساس أن توجهات الجامعة نحو مرجعية السوق ومعاييره الربحية، تفوق إلى حد كبير توجهاتها نحو دورها الثقافي ورسالتها التنويرية, فإن الشكوى في البلدان العربية، تتمثل في أن الجامعات فيها، قد أخفقت في الوفاء بمقومات واستحقاقات هذين الدورين على السواء, على الرغم من الانتشار السريع للجامعات في هذه البلدان, ( فرجاني, 2005: ص 125 ). فدور الجامعة في المجتمعات الغربية, كما سبقت الإشارة,  ظل، ولقرون عديدة، يسير ببطء ضمن سياق ثقافي متكامل تقريباً, واكتمل بناؤه هناك بمشاركة فاعلة من قبل الجامعة والمجتمع، في حين لم يكتمل مثل هذا البناء الثقافي في المجتمعات العربية، ولم تساهم الجامعة بدور فاعل في اكتمال بنائه. وعليه، فإن الأهداف الجديدة للتعليم الجامعي الغربي، تعبر عن استجابة فاعلة لتغيرات جوهرية في البنية المجتمعية وجهود إصلاحية حثيثة في البنية التربوية أسفرت في مجملها عن تمكين الجامعة من استيعاب التغيرات الجذرية التي شهدتها المجتمعات الغربية، والتي توجت مؤخرا ببروز ظاهرة العولمة وتسيد مرجعية السوق, مع السعي الحثيث للاحتفاظ بمقومات الدور التنويري المعهود لهذه المؤسسة. وعلى العكس من ذلك، فقد جاءت نشأة الجامعة في البلدان العربية في جو فكري غائم يعوزه النموذج المجتمعي الأصيل لهذه المؤسسة.  فانعكس ذلك الوضع في غموض الرؤية الفكرية للجامعة، وفي ازدواجية رسالتها العلمية والحضارية ( فرجاني, 2005: ص 109 ). حيث نجد تباينا واضحا بين الجامعات الغربية والجامعات العربية في الخلفية الثقافية والظروف التاريخية التي رافقت ظروف النشأة في البلدان العربية، وبالتالي أثرت في طبيعة الأطر الفكرية الموجهة لهذا التعليم, مما جعله عاجزا عن الوفاة بمتطلبات الحفاظ عن الهوية الثقافية لهذه البلدان, حتى أن هناك من يرى أن الجامعات الغربية قد أقحمت في عملية الاستلاب الثقافي، عبر تسهيل عملية استنساخ أطرها المرجعية وموجهاتها الفكرية من قبل الكثير من الجامعات في البلدان النامية, (Hayhoe,1997: P. 750 ) .

ففي البلدان العربية, شهد التعليم العالي، ذي الأصول الإسلامية، مرحلة ركود وانحطاط ظهر جلياَ في العهد العثماني، واستمر هذا الوضع حتى مرحلة الاقتباس، في العصر الحديث، للنظم التعليمية الغربية، بما فيها الجامعة. لذلك، جاءت نشأة التعليم العالي، بمفهومه الحديث في البلدان العربية، متأثرة بالخلفية الفكرية للتعليم العالي في البلدان الغربية، حيث وجهت أهداف هذا التعليم آنذاك، لتلبية احتياجات الدول الاستعمارية، وخاصة فيما يتعلق بتوفير الكوادر الفنية والإدارية اللازمة لإدارة مستعمراتها في البلدان العربية. وبعد رحيل المستعمر ونيل الاستقلال, نشأت الجامعات في البلدان العربية في ظروف الأزمة الفكرية المرجعية التي عانت منها مختلف المؤسسات في هذه البلدان. فعدم وجود فلسفة واضحة للجامعة العربية في مراحل تكوينها الأولى، في العصر الحديث، قد جعلها تعيش ازدواجية مرجعية، مازالت تبعاتها تتفاقم حتى العصر الراهن. حيث نشأت الجامعات العربية تحت ضغوط لحظة الاستقلال وتحقيق الأمن الداخلي وتنامي الطلب الاجتماعي وتلبية متطلبات التنمية المجتزأة، كما أن تردي أوضاع مؤسسات التعليم العالي الإسلامية, قد أفقد الجامعات الناشئة النموذج الأصيل الذي كان يمكن الاستناد عليه في تحديد معالم رؤية الجامعة العربية الحديثة. لذلك، وجدت قطيعة بين الجامعات الناشئة بمفهومها الحديث والجامعات التقليدية ذات الطابع الإسلامي. حيث تم تبني صورة مشوهة ومبتورة لفكرة الجامعة في التراث الغربي، تجلى ذلك في سيادة تيار ( اللايقين أو اللاحسم) في منظومات أهداف التعليم العالي، ماثلا في  محاولة الجمع بين المتناقضات  في موجهات الجامعة ودورها التنموي. بوجيز العبارة, يمكن القول، إن الجذور التاريخية لازمة الجامعات العربية، تكمن في حالة القطيعة مع الموروث، وحالة اللاحسم بين التوجه المهني والتوجه الأكاديمي. وجوهر الأزمة يعود إلى ربط الجامعة بالمفهوم الضيق للتنمية الذي تم اختزاله بالمفهوم الاقتصادي أو بفكرة الإنتاج المباشر، بدلاً من ربطها بالمفهوم الشامل لتنمية الفرد و المجتمع ( الحميد2002: ص 52 ). وقد تولد عن هذا الفهم الغامض للدور المتوقع من الجامعة شيوع (اللايقين) التنموي في رؤية الجامعة ورسالتها, والذي يشكل أزمة أكثر تعقيدا في العصر الراهن، نتيجة لضخامة التحديات التي تواجه الإنسان العربي في زمن العولمة (رضا, 2006: ص112).

وفي إطار هذه الأزمة المرجعية، وإزاء الطلب الاجتماعي المتنامي على التعليم العالي والجامعي، وتزايد المطالب التنموية، وتصاعد التحديات العصرية، تكاد تتبلور رؤية التعليم العالي في البلدان العربية في مسارين متذبذبين :

المسار الأول : وسلكته معظم الجامعات العربية، وفي مقدمتها الجامعات المصرية،  وجامعات دول المغرب العربي و اليمن, وهي التي انتهجت سياسة (الباب المفتوح) أمام الجميع للالتحاق بمؤسسات التعليم العالي,، متأثرة إلى حد كبير،  بأطروحات الاتجاه الأكاديمي، التي تعطي الأولوية للتخصصات النظرية الإنسانية. وصاحب تلك السياسة، آثار سلبية أدت إلى تدني جودة التعليم العالي, وضعف علاقة مخرجاته باحتياجات سوق العمل ومطالب التنمية المجتمعية الشاملة.

المسار الثاني : واتخذته قلة من الجامعات العربية التي تأتي في طليعتها الجامعات الخليجية العربية و الجامعات ألأردنية التي بدأ يتقدم فيها الاتجاه المهني التخصصي في التعليم العالي مستندا إلى معايير الجودة الشاملة, ( السنبل, 2002: ص 158 ). غير أن غموض الرؤية الفكرية للتعليم الجامعي والهرولة وراء الجامعات الغربية نحو إعادة هيكلة مؤسسات التعليم الجامعي في هذه البلدان, وفقا للمفهوم المادي الضيق للعملية التنموية المتوقعة من الجامعة, قد جعل هذه المؤسسات, وخاصة الخليجية, أقرب إلى المدارس التسويقية منها إلى الجامعات, (رضا, 2006: ص110). 

وأيا كانت الملاحظات حول طبيعة الرؤية الفكرية للتعليم العالي في البلدان العربية, وأيا كانت الأولوية في المسار المتبع لبعض الجامعات العربية، فإنه من الجدير الالتفات إلى التجربة الأردنية في تطوير مؤسسات التعليم العالي، لاسيما تلك التجربة المرتبطة بإنشاء كليات المجتمع والجامعات الخاصة، التي ساهمت وبفاعلية في استثمار الموارد البشرية، عبر إعداد الكوادر المتخصصة التي نجحت وبجدارة في الحصول على فرص عمل خارجية، ساهمت عائداتها في دعم الاقتصاد الأردني، لتمثل تجربة رائدة في التنمية البشرية، جديرة بأن تكون أنموذجاً يحتذى به في تطوير مؤسسات التعليم العالي، في كثير من الدول العربية وخاصة اليمن.

 

 (أ) أهداف التعليم العالي في الأردن:

تبلورت الأهداف العامة للنظام التربوي في الأردن، على اختلاف مراحله وأنواعه،  بما أعلنه القانون العام للتربية والتعليم رقم (16) لسنة 1964م. وفي ضوء هذه الأهداف، رسمت السياسة التربوية وترجمت إلى إستراتيجية شاملة للنظام التربوي، لتترتب عنها الاستراتيجيات التعليمية القطاعية أو المرحلية والتي تأتي في طليعتها إستراتيجية التعليم العالي في المملكة, (الفرحان, 1994: ص96).

  وقد خضع القانون العام للتربية والتعليم للتعديل عام 1980م، لتتحول بموجب ذلك التعديل، معاهد المعلمين، إلى كليات مجتمع (Community Colleges ). وفي ضوء قانون التربية والتعليم, صدر قانون مجلس التعليم العالي رقم (13) لعام 1980م, وتم إنشاء وزارة التعليم العالي عام 1985م بموجب قانون التعليم العالي رقم (28) لعام 1985م  الذي حدد أهداف التعليم العالي، ثم صدر قانون الجامعات الأهلية المؤقت رقم (19) لعام 1989م ، ليعدل ويصير قانوناً نهائياً للتعليم الأهلي عام 1999م. واستمر الوضع التشريعي على نفس السياق، حتى عام 1998م ، حين ألغيت وزارة التعليم العالي. ونتيجة لتغير الظروف وكثرة المستجدات المتلاحقة في التعليم العالي, أعيد إنشاء وزارة التعليم العالي، مرة أخرى عام 2001م، بموجب قانون التعليم العالي والبحث العلمي  المؤقت رقم (41) لعام 2001م ( الرشدان والهمشري, 2002: ص 385) .وفي ضوء هذا التشريع، وضعت الإستراتيجية الوطنية للتعليم العالي والبحث العلمي 2007- 2012 . والقانون، سالف الذكر، هو الذي حدد الأهداف العامة والموجهات الرئيسة للتعليم العالي في المملكة الأردنية (الملحق 1) وهذه الأهداف، هي التي تمثل أحد بعدي المقارنة في هذه الدراسة.

 

 (ب) أهداف التعليم العالي في اليمن:

بدأ الإعلان عن أهداف التعليم الجامعي في اليمن، بصدور قانوني التربية والتعليم في شطري اليمن، في مطلع عقد السبعينات من القرن المنصرم, ثم تبلورت هذه الأهداف على نحو أكثر وضوحا بصدور قانون إنشاء جامعة صنعاء رقم (18) لسنة 1974, الذي ألغي بصدور القانون الجامعي رقم (89) لسنة 1977, والذي هو بدوره الغي بالقانون رقم (32) لسنة 1988. كما صدر القانون المنظم لجامعة عدن برقم (22) لسنة 1975 ( الاغبري, 2004: ص65). ثم تبلورت أهداف التعليم الجامعي, على نحو أكثر إجرائية بصدور القانون رقم (32 ) لسنة 1982م في الجنوب سابقاً . وبعد قيام الجمهورية اليمنية، صدر القانون العام للتربية والتعليم رقم (45) لسنة 1992م الذي تضمن أهداف التعليم العالي بصيغتها العامة. غير أن فلسفة التعليم الجامعي، قد تبلورت على نحو أكثر تحديداً بصدور قانون الجامعات اليمنية رقم (18) لسنة 1995م الذي خضع لتعديلات عديدة عام 1997م وعام 2000م, ٍوالذي حدد أهداف التعليم الجامعي في آخر صيغة لها في هذا القانون (المحلق 2), وهي الأهداف التي تعنينا في هذه الدراسة. وتجدر الإشارة هنا إلى أن هذا القانون يخضع لعملية لتعديل خلال هذا العام. وفي إطار الجهود المكرسة لتطوير الأطر المرجعية للتعليم العالي, تم إعداد مشروع الإستراتيجية الوطنية للتعليم العالي عام 2006م وأقرها المجلس الأعلى لتخطيط التعليم ومجلس الوزراء في عام 2006م.


 

ثالثا: تحليل أهداف التعليم العالي/الجامعي  في الأردن واليمن:

       يتضمن هذا القسم رصداً وتحليلاً لمنظومتي الأهداف العامة للتعليم العالي و الجامعي في اليمن والأردن، وذلك من حيث استيفائها للأسس المنهجية الساندة في عملية بنائها وأسلوب صياغتها وإجراءات تنفيذها ، وتحليل العلاقة القائمة بين هذه الأهداف العامة والوظائف الكبرى المعروفة للجامعة,  في ضوء المعايير المنهجية المعتمدة في هذا السياق، والتي سبقت الإشارة إليها، في الخلفية النظرية. فقد سعى الأردن واليمن نحو التوصل إلى فلسفة محددة للتعليم الجامعي، تجلى ذلك فيما رصدته التشريعات والقوانين من متضمنات لهذه الفلسفة، ماثلة بإعلان منظومتين  للأهداف العامة للتعليم العالي و الجامعي في البلدين. فقد أورد قانون التعليم العالي المؤقت رقـــــــــــــــم (41) لعام 2001, (12) هدفا عاما للتعليم العالي في الأردن ملحق(1), في حين أن قانون الجامعات اليمنية رقم (32) لسنة 2000 أورد (20) هدفا عاما للتعليم الجامعي في اليــــــــــمن, ملحق(2). غير أن معايرة الأهداف المعلنة للتعليم الجامعي في البلدين، في ضوء المعايير والمحكات المعتمدة في هذا المضمار، تظهر بعض جوانب القوة والكثير من نواحي القصور في هذه الأهداف بمختلف مكوناتها, وفي طبيعة علاقتها بالوظائف المعروفة تقليديا للجامعات, وذلك على النحو الآتي:

 

(أ‌)     مصادر اشتقاق الأهداف:

   من خلال تفحص منظومات الأهداف العامة للتعليم الجامعي في البلدين قيد الدراسة، تبين أن هذه الأهداف تفتقر إلى المصادر الرئيسية، التي تؤكد أصالتها وتبلور أسانيدها الرئيسية ، وان وجدت بعض الإشارات المقتضبة إلى وجود مصادر اشتقاق لهذه الأهداف, لاسيما في المنظومة الأردنية, غير أن ذلك لا يفي بمطالب عملية توضيح مصادر اشتقاق هذه الأهداف، وعملية تدفقها من هذه المصادر. إذ أن ما ذكر من المصادر، لم يكن كافياً لتوضيح الأسانيد الفكرية لفلسفة التعليم العالي. بل إن الأهداف المعلنة للتعليم الجامعي في اليمن، تفتقر تماما لأي ذكر لمصادر اشتقاقها, والتي يأتي في طليعتها، القانون العام للتربية والتعليم، الذي بدأ يعلن أهداف هذا التعليم، كغيره من أنواع التعليم، كما سبقت الإشارة. ففي الوقت الذي نجد فيه الإستراتيجية الوطنية للتعليم العالي المقرة مؤخرا في اليمن، تحدد المصادر التي انبثقت عنها فلسفة التعليم الجامعي وأهدافه, نجد قانون الجامعات اليمنية بتعديلاته المختلفة, وهو المرجعية الأصل لفلسفة التعليم الجامعي، يفتقر إلى هذا الإسناد المنهجي، الذي كان من شأنه أن يضفي مزيدا من التأصيل والمصداقية لهذا القانون. بل إن صدور هذا القانون وإجراء التعديلات المتعاقبة عليه، قد تم في ظل غياب وزارة التعليم العالي نفسها باعتبارها الجهة الرسمية المعنية بذلك. و الأغرب من ذلك أن نجد الإستراتيجية الوطنية للتعليم العالي تعلن مصادرها المرجعية، وعلى نحو تفصيلي, في حين نجد قانون الجامعة، فاقدا لمثل هذا الإسناد المرجعي.  وبالمقابل, نجد قانون التعليم العالي المؤقت في الأردن، يشير إلى المصادر التي اشتقت منها أهداف التعليم العالي في الأردن, وان كانت تلك الإشارة عرضية ولا ترقى إلى مستوى الإسناد العلمي الواضح, ناهيك عما يكتنف هذه المصادر من الغموض واللبس والتداخل المرجعي. وعليه, نعتقد أن أبرز جوانب الغموض في أهداف التعليم العالي والجامعي، في البلدان العربية, عامة, وفي البلدين قيد الدراسة خاصة,  إنما تعود في الأساس إلى غموض هذه المصادر أو غيابها على الإطلاق. و إشكالية إغفال أو تغييب مصادر اشتقاق الأهداف في هذه البلدان، لا تقتصر فقط على أهداف التعليم العالي والجامعي, و إنما هي شائعة بالنسبة للأهداف التربوية على مختلف مراحل التعليم وأنواعه.

 

(ب) التداخل المرجعي بين أهداف الجامعة ووظائفها:

       أن المتأمل في العلاقة بين هذين المكونين لفلسفة التعليم الجامعي في البلدان العربية, وفي الأردن واليمن, على سبيل المثال, سيجد خلطاً واضحاً بين ما أعلن من أهداف، وبين الوظائف المعروفة تقليديا للجامعة. فمعظم ما ورد من أهداف للتعليم الجامعي،  إنما هي تعبيرات تنم عن وظائف للجامعة، أكثر من كونها أهدافاً عامة للتعليم الجامعي. فقد صيغت بعض الأهداف، صيغت بعبارات غاية في العمومية، بما يجعلها في كثير من الأحيان، تتجاوز عمومية الوظائف نفسها، التي تحددت بأبعاد ثلاثة لأداء الجامعة وهي: التدريس والبحث العلمي وخدمة المجتمع, كما سبقت الإشارة.

       وإذا كانت هذه الوظائف، في أبعادها الثلاثة، تتفق فيها جميع الجامعات في العالم، بما يجعلها سمة عامة، تتسم بها سائر الجامعات, فإن الأهداف تحدد ضمن سياق ثقافي معين يجعلها أكثر إبرازا لخصوصية الجامعة وتفرد مجتمعها. ناهيك عن أن هذه الوظائف والأهداف قد فقدت بعداً رئيسياً من أبعاد العلاقة بينهما. فالأهداف المعلنة في البلدين تفتقر إلى التراتب المنطقي الذي يسوغ تنامي هذه الوظائف عبر مسارها التاريخي، لتبدأ من الأهداف المعنية بالتدريس، ثم تأتي إلى استهداف البحث العلمي، وتنتهي بالأهداف المعنية بقضايا المجتمع. وبالتالي، فهي تفتقر إلى التسلسل المنطقي على مستوى هذه الوظائف مجتمعة, بل وعلى مستوى كل وظيفة على حدة.  مع الأخذ بالاعتبار التداخل الوظيفي لبعض الأهداف, حيث نجد أحيانا هدفا واحدا يعنى بتنفيذه أكثر من وظيفة. مما يعكس التوجه التقليدي لسير هذه المؤسسات, سواء في أطرها المرجعية, على مستوى التصور, أو في جوانبها التنظيمية وممارساتها التدريسية, على مستوى التطبيق. بل أن معايرة أداءات هذه الجامعات، ومدى وفائها بمهامها الرئيسة، الماثلة بتحقيق هذه الوظائف، إنما يتم في ضوء هذه المحددات العامة, بعيدا عن الأهداف المعلنة التي يفترض أنها تمثل المرجعية الرئيسة لهذه الوظائف في واقع الممارسات، وأن تعتمد في الأساس، كمحكات رئيسة لمعايرة إنجازات الجامعات، وتشخيص اخفاقاتها، في مدى وفائها بهذه الوظائف الثلاث. فا لمؤسسات التعليمية، وعلى رأسها الجامعات, تقوم إنجازاتها، وتشخص نقاط الضعف فيها، في ضوء ما يعلن لها من أهداف، وليس وفقا للوظائف والأدوار التي تقوم بها هذه المؤسسات، التي أنشئت في الأصل، لتحقيق ما أعلن لها من أهداف، وليس لمجرد القيام بهذه الوظائف.

(ج) منهجية بناء الأهداف وأسلوب صياغتها:

       علاوة على التداخل المرجعي بين أهداف الجامعة ووظائفها, نجد أن ما أعلن من أهداف للتعليم الجامعي في الدولتين, ولاسيما في اليمن, إنما هي أهداف تفتقر إلى كثير من مقوماتها المنهجية، سواء تلك المعنية بعملية بنائها، أو بأسلوب صياغتها، أو بتحديد إجراءات تنفيذها. بل أن هذه الأهداف، تنم عن خلط وسوء فهم لعملية بناء الأهداف. فالأهداف التربوية العامة، تبنى، أولا، ثم تصاغ. وبالتالي,  فإنه لا يوجد ما يؤكد أن عملية أعداد هذه الأهداف العامة، للتعليم العالي، في الدولتين، قد تمت وفقا لمقومات هذه المنهجية، التي يفترض أن تتم عبر تشكيل لجان متخصصة في مختلف مجالات التعليم الجامعي، وعلى تعدد التخصصات والجهات المعنية به.  فالمتعارف عليه في الواقع التربوي العربي, أن عملية بناء الأهداف، غالبا ما تقتصر على فرد، أو قلة من الأفراد، ليصوغوا هذه الأهداف. والأغرب من ذلك، أن الكثير من المؤلفين والباحثين، في الأهداف التربوية، في البلدان العربية، هم أيضاً يخلطون بين هاتين العمليتين ( بناء الأهداف، وصياغتها ) رغم أن الأخيرة، تقتصر على محض الناحية اللغوية، التي تنحصر في الغالب، على جهد فردي, في حين أن عملية بناء الأهداف, تعد عملية منهجية معقدة، لكونها تتم عبر سلسلة من الإجراءات، ويشترك فيها كثير من القياديين والمختصين والمفكرين. وعليه، فان محاكمة أهداف التعليم الجامعي، في البلدان العربية، إذا ما تمت، فإنها تتم في ضوء معايير الصياغة اللغوية. إذ نجد أن هذه النظرة المجتزأة لمعايرة الأهداف، هي الأكثر حضوراً في الأدبيات المتعلقة بتقويم الأهداف التربوية في هذه البلدان. وأن سلطة النص اللغوي هذه، التي انصرفت إليها جهود الباحثين العرب والمهتمين بقضايا الأهداف، إنما تعكس التوجه التقليدي في معايرة هذه الأطر المرجعية. وهي نظرة ناتجة عن غياب الوعي الفلسفي والحس المنهجي, كما أنها ناجمة عن أسباب كثيرة، لعل أبرزها الأسباب السياسية المتعلقة بتحديد طبيعة اللجان التي تكلف بوضع الأهداف وصياغتها. فالطابع السياسي لهذه العملية، يتجلى حين تكون عملية صياغة الأهداف، مجرد شعارات سياسية، ودعايات وزارية، تستهدف تعزيز موقع العاملين في الإدارات العليا للدولة، أكثر مما تستهدف توجيه مسارات العمل التربوي. وهي صياغة تركز على بنية النص أكثر من تركيزها على معطيات الواقع ومتطلباته. لذلك فهي عملية عبثية، تفتقر إلى الإسناد العلمي، وتنأى بالجهود التربوية بعيدا عن المعايير المنهجية المعتمدة في هذا السياق (وطفة, 2005: ص135).

       وتأسيساً على ذلك, فإن منظومة أهداف التعليم الجامعي في اليمن، تفتقر إلى مقومات المنهجية العلمية المعنية بعملية بنائها وأسلوب صياغتها. إذ يبدو أن لجنة قد كلفت بهذه المهمة. وكما نعلم، فإنه في العادة ما يبرز في مثل هذه اللجان، فرد يتولى إعداد وثيقة الأهداف، ثم تنقح في بعض مضامينها وأوجه صياغتها بقصد استيفاء كمالها الشكلي. وهذه العملية الروتينية، التي غالباً ما تبدأ وتنتهي في مكاتب السلطة العليا، وفي إطار تعليماتها الفوقية، تخالف تماماً الأصول الفلسفية، والأسانيد العلمية والإجراءات المنهجية المعتمدة في أدبيات الفكر التربوي الحديث، والمتبعة في كثير من الدول المتقدمة. ذلك أن بناء الأهداف التربوية، تمثل نتاج فعاليات مجتمعية معقدة، وذات إبعاد علمية تخصصية متعددة، وتسير وفق أسس منهجية يصعب اختزالها إلى مجرد تكوينات وصياغات لغوية، تقتصر على جهود فردية. بل إن الإستراتيجية الوطنية للتعليم العالي، في اليمن، هي نفسها ارتكزت على جهد فردي, بلوره خبير أجنبي. وبالتالي, فان تلك الإستراتيجية، لم تكن سوى إعادة صياغة لطروحات الخبير الألماني جورج فيرهاغن حول مشكلات التعليم العالي في اليمن وسبل تطويره. 

       ومن حيث شمولية مضامين العبارات الهدفية،  نجد أن أهداف التعليم العالي في الأردن، قد شملت في مضامينها الكثير من القضايا ذات الصلة بالمحددات الوظيفية للجامعة، ومنها القضايا المرتبطة بالفرد المتعلم والقضايا المرتبطة بالبحث العلمي والقضايا المرتبطة بخدمة المجتمع. غير أنها أغفلت بعضا من القضايا المتعلقة بشؤون العصر وتحدياته المستقبلية، لاسيما تلك القضايا المتعلقة بمعايير الاعتماد الأكاديمي، وضمان الجودة الشاملة. ويزداد الأمر سوءا في منظومة أهداف التعليم الجامعي في اليمن. فعلى الرغم من كثرة الأهداف المعلنة للتعليم الجامعي، مقارنة بأهداف التعليم العالي في الأردن, وعلى الرغم أيضا من تعالي الصيحات وتنامي الحملات الداعية لمعايرة التعليم الجامعي في ضوء معايير الجودة، نجد غيابا لافتا لكثير من القضايا الجوهرية, سواء الوطنية منها، او العربية والعالمية، التي ينبغي أن يستهدفها التعليم الجامعي اليمني، لاسيما في العصر الراهن.

       أما من حيث التوازن بين هذه الأهداف، وما يترتب عنها من الوظائف، فنجد اختلالا واضحا فيما يتعلق بهذه الأبعاد الثلاث لأداء الجامعة، وسير العملية التعليمية فيها. فما ورد من أهداف للتعليم الجامعي في البلدين، إنما هي في معظمها أهداف معنية بتحقيق الوظيفة الأولى للجامعة، وهي التدريس، حيث توزعت هذه الأهداف على الوظائف الثلاث في منظومة أهداف الأردن للتعليم العالي، البالغ عددها (12) هدفا, على النحو الآتي: (6) أهداف معنية بالوظيفة الأولى, و(3) أهداف كرست للوظيفة الثانية, و(3) أهداف أخرى خصصت للوظيفة الثالثة, (الملحق1). في حين توزعت أهداف التعليم الجامعي في اليمن، والبالغ عددها (20) هدفا وفقا لهذه المحددات الثلاثة على النحو الآتي: (12) هدفا كرست للوظيفة الأولى و(4) أهداف خصصت للوظيفة الثانية و(4) أهداف أخرى عنيت بالوظيفة الثالثة. وهو توزيع  لهذه الأهداف، ينم عن اختلال في التوزيع المتوازن بين هذه الوظائف, (الملحق 2).

        وفي ضوء متغير الزمن، نجد ان معظم الأهداف معنية بماضي الأمة، وقليل منها ما كرس لقضايا العصر الحاضر، ويندر أن نجد من الأهداف ما هو معني بقضايا المستقبل وتحدياته، ومن حيث الأبعاد القطرية والقومية والعالمية, نجد أن الكثير منها يدور حول القضايا الوطنية القطرية، وقليل منها ما كرس للقضايا القومية، ويندر أن نجد أهدافا مكرسة للقضايا العالمية.

       وأما من حيث الأولوية والخصوصية، نجد أن المنظومتين تفتقران إلي سلم أولويات يرتبهما حسب أسبقية الوظائف، وتراتبها، وكذا بحسب خصوصية مجتمعاتها، ومطالب التنمية فيها، لاسيما الأهداف المعلنة في اليمن. فإذا كانت أهداف التعليم العالي في الأردن قد أبرزت بعضا من جوانب خصوصية المجتمع الأردني، بإعطائها أولوية لبعض القضايا الوطنية والقومية، وترسيخ النهج الديمقراطي، نجد تغييبا واضحا، لمثل هذه القضايا الوطنية، في منظومة أهداف التعليم الجامعي في اليمن, لاسيما ما يتعلق بقضايا الوحدة الوطنية، وترسيخ النهج الديمقراطي, باعتبارها أبرز خصوصيات المجتمع اليمني في العصر الراهن.

       وفيما يتعلق بمعيار المرونة، فأننا نجد بعض المؤشرات على أن أهداف التعليم العالي في الأردن قد خضعت لبعض التعديلات اليسيرة في مضامينها. غير أن الأهداف العامة المعلنة للتعليم الجامعي في اليمن، لم يسر عليها أي تعديل جوهري، منذ إعلانها. فقد أعلنت منظومتان من أهداف للتعليم الجامعي في اليمن، منذ مطلع السبعينات من القرن الماضي, المنظومة الأولى، عنيت بتنظيم التعليم في جامعة صنعاء, فيما كرست الأخرى لتنظيم التعليم في جامعة عدن. وظلت تلك الأهداف شطرية التوجه، لما يقارب العقدين, دون أي تعديل يذكر. ثم أعلنت أهداف موحدة للتعليم العالي والجامعي بعد تحقيق الوحدة، في القانون رقم ( 17) لعام 1995, وعلى الرغم من التعديلات المتعاقبة التي طرأت على هذا القانون، وذلك بصدور القانون رقم ( 30) لسنة 1997م وتعديلات أخرى بالقانون رقم ( 33 ) لسنة 2000م وكذا ما طرأ من تعديل بصدور القــانون رقــــــــــــم (13) لعام 2010,  واستحداث المجلس الأعلى للجامعات، الذي يعنى برسم السياسة الوطنية  للتعليم العالي. وصدور اللائحة التنفيذية لقانون الجامعات 2006, وكذا إقرار الإستراتيجية الوطنية لتطوير التعليم الجامعي 2006, والتي لم تأت كترجمة إجرائية لهذه الأهداف العامة, وإنما جاءت كتنقيح لمشروع الخبير الألماني, فيرهاجن, كما سبقت الإشارة. ومع ذلك ظلت هذه الأهداف جامدة دون أي تغيير جوهري يذكر, بل أن ما طرأ على الأهداف من تعديل في الصيغة الأخيرة للقانون، خلال عام 2010 ، فقد اقتصر على مجرد اختزال منظومة الأهداف من (20) هدفا، إلى عشرة أهداف فقط، أكثر من كونه تطويرا لهذه  الأهداف، على الرغم من كثرة التحديات والمستجدات التي يشهدها التعليم العالي، في اليمن، والبلاد العربية، بل وفي العالم بأسره، وخاصة فيما يتعلق بالمستجدات الناجمة عن  متطلبات الاعتماد الأكاديمي وضمان الجودة، وما يستلزم ذلك من المعايير والمقاييس والمؤشرات، التي يعاير اليوم، في ضوئها التعليم الجامعي، في مختلف دول العالم.

       أما فيما يتعلق بمحاكمة أهداف التعليم العالي في ضوء معايير الصياغة اللغوية, كما سبقت الإشارة, فالأمر يزداد سوءا، لاسيما في منظومة أهداف التعليم الجامعي في اليمن. إذ تعاني بنية النص في العبارات الهدفية من ضعف منهجي يتمثل في الغموض و الحشو والتكرار والعبارات الفضفاضة ذات العمومية المفرطة. كما نجد في الصياغة خلطاً واضحا بين الوظائف والأهداف وبين الأهداف والوسائل، وبين الأهداف التربوية، والأغراض التعليمية ( التدريسية ). فقد فصلت الأهداف العامة للتعليم الجامعي في عشرين هدفا, وبلغة فضفاضة ومبهمة. وفي الوقت الذي نجد فيه أهدافا قد صيغت صياغة مركبة, حيث نجد العبارة الهدفية الواحدة تكرس لتناول قضيتين، بدلا من اقتصارها على قضية واحدة, نجد في الوقت ذاته, أهدافا مكررة , بل ومتداخلة في تناول بعض القضايا والأبعاد, بحيث نجد هدفا واحدا مركبا يتضمن بعدا من أبعاد وظيفة التدريس, كما يتضمن في الوقت ذاته، بعدا آخر من أبعاد وظيفة البحث العلمي أو خدمة المجتمع، بدلا من أن تكرس العبارة الهدفية، لتناول بعدا واحد من هذه الأبعاد. بل قد نجد في منظومة أهداف التعليم الجامعي في اليمن، خلطا واضحا بين الأهداف العامة والأهداف الخاصة، وبين الأهداف والوسائل, بل وبينها وبين الوظائف المعروفة تقليديا للجامعة كما سبقت الإشارة.

 

(د) إجراءات تنفيذ أهداف التعليم الجامعي:

       بصرف النظر عن كثرة المآخذ المتعلقة بمنهجية بناء الأهداف، وأسلوب صياغتها،  وطبيعة العلاقة القائمة بينها وبين وظائف الجامعة، على مستوى التصور، غير أن الملاحظات الأكثر أهمية حول الأهداف المعلنة للتعليم العالي/ الجامعي، في هاتين المنظومتين، إنما تتمثل في ضعف تأثيرها في واقع الممارسات، فهذه الأهداف الكبرى، لم تتبلور فيها رؤية التعليم الجامعي ورسالته، على نحو واضح بحيث يسهل ترجمتها إلى مستوياتها المتتابعة. إذا لا يوجد اثر مباشر يعكس تجسيد هذه الأهداف للوظائف الخاصة بالجامعة على المستوى الإجرائي، في الأبعاد الثلاثة الرئيسية لأداء العاملين في الجامعة، كما يتوقع من دلالة الأهداف. فالأهداف، وان أعلنت على المستوى الرسمي، فإننا نكاد نحزم بأنه لا يعلم أحد بوجودها, باستثناء أولئك الذين يفتشون عنها، من الباحثين الأكاديميين، ولأغراض البحث العلمي الأكاديمي ليس إلا.

       فقد تبلورت الإستراتيجية الوطنية للتعليم العالي والبحث العلمي 2007/2012  في الأردن، في ضوء المبادئ والأهداف العامة المعلنة في قانون التعليم العالي،  في حين أن الإستراتيجية الوطنية للتعليم العالي في اليمن2006/2010، لم تشر لا من قريب، ولا من بعيد، لما يربطها بقانون التعليم العالي، مما يعني أن الأهداف العامة المعلنة في القانون، لم تترجم إلى مستوياتها المتتابعة، بحيث تترجم هذه الموجهات العامة إلى سياسات واستراتيجيات، بدء بالمستوى الوطني، ماثلا بالإستراتيجية الوطنية، بما تتضمنه من رؤية ورسالة،  ثم على مستوى كل جامعة، لتترجم بعد ذلك إلى أهداف أكثر إجرائية، على مستوى الكلية والقسم، وصولاً إلى ترجمتها على مستوى  المساقات الدراسية والأغراض التدريسية( السلوكية). لذلك، نجد الجامعات اليمنية بكلياتها المختلفة، تفتقر إلى الروية والرسالة، وتعوزها الأولويات التي تحدد اختياراتها وتوجه مساراتها وتبرز خصوصياتها.  لذلك، فإن التعليم الجامعي، بمساراته المختلفة مازال يفتقر لهذه الموجهات الفكرية.

        فالأهداف المعلنة للتعليم الجامعي، لم تنشر في لوائح مستقلة، ولم توزع للقائمين على هذا التعليم، لاسيما التدريسيين، ناهيك عن أنهم لم يدربوا على آليات تطبيقها على مستوى النشاط الأكاديمي، خاصة، على مستوى الدروس والمحاضرات اليومية. فعلى افتراض وجود الأهداف، و بتلك الصياغة العامة المجافية لمتطلبات المنهجية العلمية المتبعة في بناء الأهداف وصياغتها، فإن معظم الذين يمارسون العمل الجامعي، تخطيطاً وتوجيهاً وتدريسا،ً لم يعدوا أو يدربوا للعمل وفق الأهداف، بمفاهيمها العلمية وإجراءاتها الفنية، وكل ما يتبادر إلى أذهانهم عن الأطر المرجعية للجامعة، إنما يتمثل في أن للجامعة وظائف ثلاث، تحدد أداءاتها وتقوم إنجازاتها. والغريب في الأمر أن شرط الإعداد التربوي، نجده حاضراً وملزما عند معايرة المتقدم للتدريس في مراحل التعليم العام، في حين أن هذا الشرط، مغيب تماما بالنسبة للمتقدم للتدريس في الجامعات, مع أن كليهما يقوم بعملية التدريس. وهو ما يعكس ثغرة أخرى في آليات تنفيذ الأهداف. ذلك إن البنية التعليمية التي يتطلبها الهدف، ليست شيئاً جاهزاً ومصنوعاً يمكن استخدامه وتعميمه بشكل آلي، و إنما هو تصور مهني وكفاءة وظيفية وتقنية تربوية، وهي في مجملها قضايا ناتجة عن خبرة وتعلم وثمرة إعداد متقن وتأهيل متطور وتدريب ومتواصل. فالأهداف، كتقنية تربوية حديثة، تمثل نقلة نوعية في العمل التربوي، تتطلب في المقابل، نقله نوعية في الإعداد والتدريب. ذلك أن تربية تسير بالأهداف، بحاجة إلى مهنيين وتدريسيين يختلفون عن الذين يشتغلون بتربية تسير بالوظائف. وعليه, فإن معظم الجامعات في اليمن، تكاد تخلو من المراكز الخاصة بتقديم دورات تدريبية متواصلة للعاملين فيها، لاسيما التدريسيين، حول الأهداف المعلنة للتعليم الجامعي، بما تعكسه من رؤية ورسالة لهذا التعليم، وكيفية الاستفادة منها في واقع الممارسات التدريسية. وإن وجدت مثل هذه المراكز التدريبية في بعض الجامعات، فنجد جهودها مركزة على جوانب عرضية، متعلقة بقضايا الطرائق التدريسية والوسائل التعليمية، والأساليب التقويمية، وقلما نجد منها ما يكرس لقضايا الأهداف، وما يتعلق برؤية هذا التعليم ورسالته.  لذلك نكاد نجزم بأن وظيفة التدريس الجامعي في كثير من الجامعات، تكاد تسير بحسب التقاليد المعروفة للقيام بهكذا وظيفة، وليس بحسب أهداف محددة ومترجمة لهذه الوظيفة في واقع الممارسات التدريسية. ذلك أن ما يطلب من أعضاء هيئة التدريس، في معظم الجامعات, ولاسيما اليمنية, إنما يقتصر في الغالب، على مجرد تقديم مفردات للمساقات الدراسية، ليقتصر تنفيذها في الغالب على أساليب تدريسية تقليدية، تكاد تختزل بأسلوب المحاضرة، واستخدام أساليب تقويمية تكاد تقتصر في معظمها على الأسئلة المقالية، التي تركز في مجملها على قياس القدرة على التذكر.  وكل ذلك يجرى بعيداً عن أي مرجعية هدفية معدة سلفا، ليقاس في ضوئها مدى الإنجاز في هذه المتطلبات. فالأهداف، لاسيما التعليمية / التدريسية، تكاد تغيب عن اهتمامات التدريسيين, وكأن هذه التقنية، إنما جاءت لمعايرة الأداء التدريسي لمعلمي التعليم العام، دون غيرهم. لذلك، قلما نجد بعض التدريسيين الجامعيين مهتمين بمعايرة محاضراتهم وتقويم نشاطاتهم التدريسية، وما يترتب عليها من إجراءات تدريبية، في ضوء أغراض تعليمية أعدت سلفاً لتوجيه سير العمل التدريسي وتقويم فاعليته.

       وينسحب القول نفسه على الأهداف المعنية بتوجيه مسارات الوظيفة الثانية للجامعة، وهي وظيفة البحث العلمي. فهذه الأهداف وعلى قلتها، يغيب تأثيرها على مستوى الممارسات البحثية. إذا تفتقر الجهود البحثية في معظم الجامعات العربية, وخاصة اليمنية, إلى الأهداف الواضحة المعلنة على مستوى كل جامعة، باعتبارها مؤشرات الترجمة الإجرائية للوظيفة المعنية بالبحث العلمي، وبالتالي، لا توجد إستراتيجية، أو على الأقل خطط معنية بترجمة الأهداف المتعلقة بوظيفة البحث العلمي الأكاديمي, بحيث ترتب الجهود البحثية في أولويات تنسجم مع أولويات التعليم الجامعي، ومتطلبات التنمية في المجتمع. وعليه، نجد أن النشاط البحثي لأعضاء هيئة التدريس، في هذه الجامعات, وعلى تواضعه, يسير بشكل عشوائي, وان وجدت له أولوية معينة، فإنما تحدد في ضوء اهتمامات التدريسيين أنفسهم، وبحسب أغراضهم الشخصية.

       وفيما يتعلق بفاعلية الأهداف المعنية بأبعاد الوظيفة الثالثة، خدمة المجتمع، فالأمر يزداد سوءاً. فالأهداف المعنية بهذه الوظيفة، وعلى تواضعها, لم تترجم إلى مستوياتها المتتابعة، بما يجعلها دليل عمل يسترشد به في توجيه الأنشطة الجامعية نحو خدمة المجتمع، على اختلاف مستويات هذه الخدمة وتعدد أنواعها ومراكزها. بل نكاد نجزم أن الأهداف المعنية بهذه الوظيفة، هي الأكثر تغييباً على مستوى التصور والأضعف تأثيرا على مستوى التطبيق في واقع الممارسات, وبالتالي يقتصر الحكم على فاعلية الجامعة، في هذا البعد، على مجرد الفهم التقليدي لوظيفة الجامعة في خدمة المجتمع، بعمومية هذه الوظيفة أو الخدمة, بعيداً عن الاحتكام إلى مرجعية الأهداف المعنية أساسا بتوصيف أدوار الجامعة، وفقا لهذه الوظيفة, وما يترتب عن ذلك من الموارد والإمكانات اللازمة, وإنشاء المراكز والمعاهد المتخصصة لتنفيذها. وبالتالي فان وظيفة الجامعة المعنية بخدمة المجتمع، وان تحققت في أدنى مستوى لها, فإنما يتم ذلك على نحو عشوائي، ومناسباتي في كثير من الأحوال. أما استهداف ربط برامج الجامعة ومخرجاتها بمطالب سوق العمل, وبرامج التنمية الشاملة في المجتمع المحلي للجامعة, فان ذلك ما يزال غامضاَ وعمومياً، على مستوى التصور، مما اثر سلباً في تفعيل هذه الوظيفة على مستوى التطبيق.   

       ولذلك، ليس من المستغرب أن نجد كافة الجامعات اليمنية تفتقر إلى الرؤية والرسالة، التي كان من شانهما أن تؤكدا ارتباط هذه الجامعات بالمرجعية الأصلية لتوجهاتها الفكرية، وهي قانون الجامعات, هذا من جهة، ومن جهة أخرى، تضمن سلامة اختياراتها، وتوجيه مساراتها، بما يبرز خصوصيتها , فهي لا زالت تحتكم في أداء مهامها إلى مرجعية الوظائف المعروفة للجامعة، أكثر مما توجهها الأهداف المعلنة رسميا لهذا التعليم, والمعبرة فعليا عن رؤيته ورسالته.  وهو أمر، إن  دل على شيء فإنما يدل على ترسخ النظرة التقليدية لدور الجامعة في أذهان القائمين على هذه الجامعات على اختلاف مستوياتهم الوظيفية . وإذا ما أريد لهذه المؤسسات أن تستوعب مطالب التنمية الشاملة  في مجتمعها وتواكب مستجدات العصر وتحدياته المستقبلية، فلابد لها أن تنطلق من رؤية فكرية واضحة، تمكنها من أن  تتحول من مؤسسات تسير بالوظائف، إلى مؤسسات تسير بالأهداف، و بما يستلزم ذلك التحول من أسانيد علمية، و إجراءات عملية تفي باستحقاقات ومطالب هذا التجديد التربوي.

 

 

رابعا: أوجه التشابه والاختلاف:

       يتضح مما سبق، أن هناك العديد من أوجه التشابه والاختلاف بين مقومات أهداف التعليم العالي و الجامعي في البلدين, وبالتالي الجوانب التي يمكن الاستفادة منها في تطوير أهداف التعليم الجامعي في اليمن, ولعل ابرز هذه الجوانب تتجلى في الأبعاد الآتية:

-  ظروف النشأة: تتميز مؤسسات التعليم العالي والجامعي في كل من اليمن والأردن بحداثة النشأة. إذ أن التشريعات المحددة لأهداف التعليم العالي، في البلدين، قد صدرت خلال العقدين الأخيرين من القرن العشرين, وبالتالي، فان افتقار مؤسسات التعليم العالي إلى الرؤية الواضحة، قد يعود في بعض جوانبه، إلى حداثة هذا التعليم، وبالتالي، مازال هذا التعليم بحاجة إلى ترسيخ أطرها المرجعية وبناها التنظيمية، في ضوء الخبرات المتبادلة، لاسيما على المستوى القومي.

-  مصادر الاشتقاق: لقد حددت مصادر اشتقاق أهداف التعليم العالي في الأردن بشكل واضح وصريح في قانون التعليم العالي, في حين غابت مصادر اشتقاق أهداف التعليم الجامعي المعلنة في قانون الجامعات اليمنية.

-  متضمنات الأهداف ومنهجية بناؤها: تضمنت أهداف التعليم العالي في الأردن العديد من القضايا المكرسة لمؤسسات التعليم العالي والجامعي على حد سواء, في حين اقتصر الخطاب في مضامين أهداف التعليم الجامعي في اليمن على الجامعات فقط.

-  في الوقت الذي توزعت فيه أهداف التعليم العالي في الأردن على وظائف الجامعة الثلاث, بنوع من التوازن النسبي, نجد اختلالا واضحا في توزيع أهداف التعليم الجامعي في اليمن على هذه الوظائف.

-  تضمنت أهداف التعليم العالي في الأردن بعض القضايا المتعلقة بتعزيز لانتماء الوطني والقومي وترسيخ النهج الديمقراطي, كنوع من إبراز خصوصية المجتمع الأردني, في حين نجد تغييبا مخلا لتناول هذه القضايا في أهداف التعليم الجامعي في اليمن.

-  خضعت أهداف التعليم العالي في الأردن للمراجعة، عبر مراحل التعديل التي خضعت لها الأطر القانونية المتعلقة بهذا التعليم, وعبر جهود علمية تشاركية, في حين ظلت أهداف التعليم الجامعي في اليمن، جامدة على نفس الصيغة، منذ أول صياغة لها، على الرغم من كثرة التعديلات التي طرأت على قانون الجامعات اليمنية.

-  أسلوب الصياغة: على الرغم من قلة عدد أهداف التعليم العالي في الأردن, حيث أجملت باثني عشرة هدفا عاما, غير إن هذه الأهداف قد صيغت بلغة واضحة ومحددة بحيث كرست كل عبارة هدفية لتناول قضية واحدة من القضايا المناطة بالتعليم العالي في الأردن، وعلى العكس من ذلك, نجد تفصيلا مخلا في صياغة أهداف التعليم الجامعي في اليمن في هذا المستوى العالي من الصياغة، كما نجد عمومية مفرطة وغموض ملحوظ في جانب آخر من هذه الأهداف.

-  تصنيف الأهداف وإجراءات تنفيذها: لقد سردت الأهداف، في المنظومتين على نحو اعتباطي دون الأخذ بأي آلية أو نوع من أنواع التصنيفات المعروفة للأهداف التربوية, وكان من الأحرى على الأقل أن تصنف هذه الأهداف بحسب الوظائف المعروفة للجامعة. ناهيك عن غياب أي مؤشر لترجمة هذه الأهداف إلى مستوياتها المتتابعة, وان وجدت بعض الإشارات المتعلقة بترجمة أهداف التعليم العالي في الأردن إلى المستوى الاستراتيجي, غير أن الواضح حول أهداف التعليم الجامعي في اليمن، أنها لم تترجم إلى أي مستوى من مستويات التعليم الجامعي، وان الإستراتيجية الوطنية للتعليم الجامعي في اليمن، تفتقر لما يربطها بما أعلن قانون التعليم العالي من المبادئ والأهداف، بل أن، الإستراتيجية الوطنية للتعليم العالي نفسها، لم تترجم إلى استراتيجيات وخطط على مستوى الجامعات اليمنية.


-        

خامسا: الاستنتاجات :

       انطلاقاً من مؤشرات التحليل ومعطيات الخلفية النظرية، وفي ضوء مسوغات الإطار المنهجي للدراسة، يمكن التوصل إلى جملة من الاستنتاجات لعل أهمها:

- يواجه التعليم الجامعي في البلدان العربية, لاسيما في الأردن واليمن العديد من التحديات والمشكلات تأتي في مقدمتها المشكلات المتعلقة بغموض الفلسفة التي ينطلق منها هذا التعليم والأهداف المنبثقة عنها .

-  إن معظم ما يكرس من جهود رسمية وأكاديمية لإصلاح التعليم العالي والجامعي، في هذه البلدان قد انصرف إلى قضايا فرعية، وقليل من هذه الجهود، ما كرس لإصلاح الأطر المرجعية الموجهة لهذا التعليم .

-  على الرغم من كثرة الجهود الأكاديمية المعنية بقضايا التعليم العالي والجامعي، في البلدان العربية ، غير أن هناك ندرة ملحوظة في الدراسات والبحوث المعنية بفلسفة التعليم العالي فيها ولاسيما على مستوى الدراسات المقارنة.

-  على الرغم من كثرة المشكلات التي تعاني منها أهداف التعليم العالي في اليمن, غير أن ابرز هذه المشكلات تتمثل بــ :

-   وجود تداخل مرجعي يتجلى في إبراز أولوية الوظائف التقليدية للجامعة وتغييب دور الأهداف في تسيير العمل الجامعي, سواء على مستوى التصور، ماثلاً في الأطر التشريعية والقانونية، أو على مستوى الممارسات، ماثلاً في اتجاهات القائمين على الجامعات نحو الأطر الفكرية الموجهة لمسارات التعليم العالي.

-  افتقار أهداف التعليم العالي إلى مقومات المنهجية العلمية، سواء فيما يتعقل بعملية بناء الأهداف، أو بأسلوب صياغتها أو بتحديد إجراءات تنفيذها.

-  وجود خلط بين الوظائف والأهداف, بل بين الأهداف العامة والأهداف التدريسية, وبين الأهداف ووسائل تنفيذها.

-   أن اللوائح والأطر القانونية وما يترتب عنها من الهياكل الإدارية التنظيمية، إنما هي انعكاس للموجهات التقليدية المؤطرة للتعليم الجامعي, ماثلة في الوظائف المعروفة تقليديا للجامعة .

-  إن تفعيل دور التعليم العالي والجامعي يستلزم التحول من مؤسسات  تستند إلى حاكمية الوظائف إلى مؤسسات تحتكم إلى مرجعية الأهداف، بما يستلزم ذلك التحول من إجراءات علمية وعملية .

 

 

سادسا: التوصيات والمقترحات:

1- إعطاء الأولوية في برامج تطوير التعليم العالي للأطر الفلسفية الموجهة لهذا التعليم، ماثلة بمراجعة أهدافه العامة، كإطار مرجعي يجسد رؤية التعليم الجامعي ورسالته على المستوى الوطني.

2- ربط فلسفة التعليم الجامعي بالفلسفة التربوية للنظام التربوي إجمالا، وبما يدور في الميدان التربوي من استراتيجيات إصلاحية.

3- إعادة النظر في منظومات الأهداف العامة للتعليم الجامعي المعلنة بما يجعلها :

    - تبلور وعلى نحو واضح رؤية التعليم العالي وطبيعة رسالته العلمية.

    - تحدد وظائف الجامعة على نحو من الإجرائية و التوازن والأولوية.

    - تشمل كافة القضايا المعنية بأبعاد التعليم الجامعي ولاسيما القضايا الوطنية الكبرى

    - تواكب مستجدات التعليم العالي وبخاصة ما يتعلق بمعايير الجودة الشاملة

4- إجراء مراجعة دورية لمنظومات الأهداف العامة المعلنة للتعليم الجامعي.

5- تكليف مجموعة من المختصين بمراجعة هذه الأهداف وترجمتها إلى مستوياتها  المتتابعة، وتحديد طبيعة العلاقة القائمة بينها وبين وظائف الجامعة من جهة, وبينها وبين أهداف الإستراتيجية الوطنية للتعليم العالي من جهة أخرى.

6- نشر أهداف التعليم الجامعي في لائحة مستقلة، وتوزيعها على كافة العاملين في التعليم الجامعي, لاسيما أعضاء الهيئة التدريسية.

7- إجراء دورات تدريبية للعاملين في الجامعات، وخاصة لأعضاء هيئة التدريس، حول فلسفة التعليم العالي, رؤيته ورسالته, وحول الأهداف التربوية بمستوياتها المتتابع، لاسيما حول تكنولوجيا الأغراض السلوكية(التدريسية) وطبيعة علاقتها بالأهداف العامة المعلنة وحول التخطيط الاستراتيجي.

8-  ترجمة الإستراتيجية الوطنية للتعليم العالي إلى استراتيجيات فرعية على مستوى كل جامعة من الجامعات اليمنية، لتترجم بدورها إلى استراتيجيات فرعية، على مستوى الكليات ثم الأقسام.

 ولمزيد من تسليط الضوء على أهداف التعليم العالي في اليمن, تقدم الدراسة المقترحات الآتية:

1- إجراء دراسة مماثلة لتحليل أهداف التعليم الجامعي في دول أخرى,

2- إجراء دراسة مقارنة لأهداف التعليم الجامعي في بعض الدول العربية وبعض الدول المتقدمة, وفق مدخل المقارنة المرجعية,

3 - إجراء دراسة ميدانية تتقصى آراء بعض القيادات التربوية في الجامعات اليمنية حول رؤية التعليم الجامعي ورسالته.






قائمة المراجع:


 

-إتحاد الجامعات العربية ( 2008) النشرة الدورية " إتحاد الجامعات " العدد (3) يناير 2008 ,عمان، الأردن .

-  الأردن, وزارة التعليم العالي والبث العلمي, قانون التعليم العالي والبحث العلمي المؤقت رقم(41) لعام 2001.


-الأغبري, بدر سعيد,(2003), "إصلاح التعليم وتطويره في اليمن", دار الشوكاني، صنعاء، اليمن.

- =   =  =  =  = , (2004), " التربية والتعليم في اليمن", دار الشوكاني, صنعاء, اليمن.

- التل, سعيد وآخرون, (1997) " قواعد التدريس في الجامعة", دار الفكر, عمان, الأردن.

- تقرير التنمية الإنسانية العربية الثاني, ( 2003) " نحو إقامة مجتمع المعرفة"، البرنامج الإنمائي للأمم المتحدة، المكتب الإقليمي، عمان، الأردن.

- الجمهورية اليمنية, المجلس الأعلى للجامعات, قانون الجامعات اليمنية, رقم (23) لسنة 2000.

- الجمهورية اليمنية, وزارة التعليم العالي والبحث العلمي,  "الإستراتيجية الوطنية لتطوير التعليم الجامعي (2006-2010)"

-الحاج, أحمد علي ( 2007) " دراسات في التربية "مؤسسة أبرار للنشر والتوزيع, صنعاء, اليمن.

- الحميد, عبد الله محمد. (2002), " الدولة والعولمة والجامعة"، مجلة اتحاد الجامعات العربية, العدد (21)، عمان، الأردن.

-حيدر, عبد اللطيف, (2004), "الأدوار الجديدة لمؤسسات التعليم في الوطن العربي في ظل مجتمع المعرفة" مجلة كلية التربية, جامعة الإمارات, العدد(21).

-راشد , علي أحمد (2000) " مدخل إلى دراسة مشكلات التعليم العالي " في  " مشكلات التعليم الجامعي في البلاد العربية " جامعة الدول العربية، القاهرة.

-الرشدان , عبد الله وعمر الهمشري , (2002) " نظام التربية والتعليم في الأردن " دار صفاء للنشر والتوزيع , عمان , الأردن .

- رضا, محمد جواد, (2006). " الإصلاح التربوي العربي: خارطة طريق" مركز دراسات الوحدة العربية¸بيروت, لبنان.

-السحباني , عبد الستار , (2001) " واقع العلاقة بين الجامعة والمحيط في الوطن العربي وآفاقها " المجلة العربية للتربية , مجلد 21عدد (1) .

- السنبل, عبد العزيز, (2002), " التربية في الوطن العربي على مشارف القرن الحادي والعشرين" المكتب الجامعي الحديث, الإسكندرية, مصر.

-الشريدة , هيام نجيب (1997) " إيجابيات وسلبيات تشريعات التعليم العالي في الأردن " مجلة إتحاد الجامعات العربية , عدد (32), عمان، الأردن.

- الشيباني, أمين احمد, (2000), " أهداف وسياسات التعليم العالي ودورها في التنمية" مؤتمر التعليم العالي الأهلي , جامعة الملكة أروى, صنعاء, اليمن.

-الصاوي , محمد وهيب (2000) " أهداف جامعات دول مجلس التعاون الخليجي دراسة تحليلية مقارنة في ضوء بعض المعايير , المجلة التربوية عدد (55)، القاهرة .

- طالب, محمد طارش, (2006) "الدور الوظيفي المتغير للجامعات اليمنية في ضوء العلاقة المتبادلة بالمجتمع المحيط", مجلة العلوم التربوية, العدد الأول, يناير 2006.9

-عمار , حامد (2006) " مواجهة العولمة في التعليم والثقافة " مكتبة الأسرة , القاهرة , مصر 22-

- فرجاني , نادر , (2005) " التعليم العالي والتنمية في البلاد العربية " مركز دراسات الوحدة العربية , بيروت , لبنان

-الفرحان, يسري عبد الله, (1994), "التشريعات التربية وتطور عملية التعليم في الأردن من عام 1921-1993", رسالة ماجستير غير منشورة, الجامعة الأردنية.

- قمبر, محمود, (2006) فلسفة التعليم الجامعي والعالي", المرجع في التنمية المهنية لأعضاء هيئة التدريس بالجامعات والتعليم العالي, معهد الدراسات التربوية, القاهرة, مصر.

-مبيضين , مهند (2006) " التعليم العالي في الأردن " : أزمة السياسات وعوائق التغيير  (الانترنت)

-المخلافي , سلطان سعيد , (2005) " التخطيط الاستراتيجي للعمل الأكاديمي الجامعي" دليل المادة العلمية , جامعة تعز ¸اليمن.

- مدكور, علي أحمد( 2006) "المرجع في التنمية المهنية لأعضاء هيئة التدريس بالجامعات والتعليم العالي, معهد الدراسات التربوية, القاهرة, مصر.

-مرسي, محمد منير, (2002) " الاتجاهات الحديثة في التعليم الجامعي المعاصر", عالم الكتب. القاهرة, مصر.

- المكتب الإقليمي للدول العربية/ برنامج الأمم المتحدة الإنمائي للدول العربية، التقرير الإقليمي: " تقييم نوعية البرامج في مجال التربية في الجامعات العربية" ديسمبر 2007، عمان، الأردن.

- المنظمة الإسلامية للتربية والثقافة والعلوم,(1990), " نحو إستراتيجية لتطوير التربية في البلاد الإسلامية", مطبعة النجاح, الدار البيضاء, المغرب.

-المنظمة العربية للتربية والثقافة والعلوم, (1979), " إستراتيجية تطوير التربية العربية" ألمنظمة, تونس.

- المنظمة العربية للتربية والثقافة والعلوم (2004)" مشروع الإستراتيجية العربية لتطوير التعليم العالي", المنظمة، تونس.

- المنظمة العربية للتربية والثقافة والعلوم, (2005) "المؤتمر العاشر لوزراء التعليم العالي والبحث العلمي في الوطن العربي", صنعاء, ديسمبر, 2005.

- ناجي, عبد الرب,(2000) أهداف وسياسات التعليم الأهلي ودورها في التنمية" مؤتمر التعليم العالي الأهلي, جامعة الملكة أروى 30ماو-ايونيو2000 صنعاء.

- الهبوب, أحمد غالب, (2004) " الأهداف التربوية في اليمن ودول مجلس التعاون الخليجي" مجلة الباحث الجامعي, جامعة اب, العدد (6) , اليمن.

- وطفة, علي وعيسى الأنصاري,(2005) "الأهداف التربوية العربية: دراسة تحليلية نقدية مقارنة", مجلة جامعة دمشق للعلوم التربوية, المجلد 21- العدد الأول.

- اليونسكو, (1997), " المؤتمر العالمي للتعليم العالي للقرن الحادي والعشرين, (الانترنت)

 

- Blake, Nigel (etal),(1997) “The Universities We Need: Higher Education After Dearing” Kogan Page, London.
-Brubacher, J. (1977), " On the Philosophy of Higher Education, San Francisco, Jersey Bass, Inc
- European Commission Report, (2007), “ Perceptions Of Higher Education Reforms”, THE GALLUP ORGANIZATION, UK .
-Hayhoe, R., (1997), "Universities & the Clash of Civilizations" In International Handbook for Education & Deve. Elsevier Science Ltd. Landon.
-Lucas, C. etal, (1994), " American Higher Education : A History", New York St. Martin's Press.
-Ministry of Higher Education & Scientific Research, “The National Strategy for the Higher Education & Scientific Research 2007-2012, Jordon.
-Reginald, E. etal, (1973), "Relevant Methods in Comparative Education , Report of Meeting for International Experts, Unesco, Institute for Education, Hamburg.
-Pearce, H. & Tfret, M. (1987). " The Bottom-line on Corporate Mission Statement" Academy of management Exclusive, No 2,
-Stephen, R. (1974)," Thoughts on Higher Education Purposes & Goals: in American Higher Education, Daedalus, Full.
-Thorens,Carlos, H. (1996), " A new Vision of Higher Education", Higher Education Policy, Vol 9, No,1. 48
-UNESCO, (1998)," World Conference on Higher Education in the Twenty First Century", Paris.
-UNESCO, (2009) “ World Conference on Higher Education opens with call to address global challenges”, Paris.
 

 

 

هناك تعليق واحد: